جلال دويدار
ماذا وراء انفلات أسعار الأسماك؟!
اتصالا بانفلات أسعار الأسماك التي أصبحت حديث الشارع المصري الذي يعاني من توحش موجة الغلاء التي شملت كل شيء أدهشني وأثار عجبي تصاعد هذه الأزمة التي بدأت فصولها في الاسابيع الأخيرة. هذا الأمر كان دافعاً لي للتساؤل.. كيف بالله يمكن أن يحدث هذا في مصر المحروسة التي تقع علي بحرين كبيرين هما المتوسط والأحمر والممتدة شواطئهما لآلاف الكيلو مترات إلي جانب العديد من البحيرات الطبيعية والصناعية في مقدمتها بحيرة السد العالي أكبر بحيرات المياه العذبة في العالم. المفروض أن تكون هذه البحيرات زاخرة بالخيرات من كل أنواع الأسماك تفعيلاً لقول المولي تعالي »كُلُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ».
كيف بالله ونحن نمتلك هذه الثروة المائية الهائلة أن نعاني من نقص في الأسماك الذي يعد بروتينا صحياً بديلاً للبروتين الحيواني والداجني اللذين تحيط بهما المحاذير الصحية. يضاف إلي ذلك دخول أسعارها إلي دائرة التسيب والانفلات التي تجعلها فوق القدرة المادية لغالبية المصريين.. لا تفسير لهذا الوضع اللا معقول سوي ان هذه الازمة ما هي إلا وليدة أسباب رئيسية محورها الاهمال والقصوروالتسيب والفساد.
ليس من سبيل لمواجهة هذه الأسباب سوي أن تكون لدينا دولة وبالتالي حكومة علي قدر المسئولية في إدارة شئون هذا الوطن إنها مطالبة وفي هذا الإطار بفرض الانضباط بالقانون للتصدي والقضاء علي كل هذه الأسباب التي هي وراء كل أزماتنا وليس فقط أزمة نقص الأسماك وارتفاع أسعارها.
ان أمامنا في مجال انتاج الاسماك عملية ادارة بحيرة البردويل في سيناء والتي تتميز بمعدلات إنتاج عالية وثابتة. ان انضباط الصيد والانتاج في هذه البحيرة يعود بشكل اساسي إلي أن ادارتها تتبع القوات المسلحة المصرية وهو ما يعني الخضوع لقواعد صارمة للانضباط والأداء والذي من مظاهره الأساسية مواعيد الصيد ومواعيد الحظر التي تتيح للأسماك التوالد والنمو. كل هذا مرتبط أيضا بعمليات التطهير المستمر وتوفير البيئة المناسبة للاسماك والبشر.
علي ضوء التصريحات والوعود التي صدرت وتصدر عن بعض المسئولين فيما يسمي بهيئة تنمية الثروة السمكية فقد ثبت بالتجربة ان لا فائدة ولا نتيجة ولا عائد من ورائها وأنها ليست إلا بالونات استهلاكية فارغة المعني والمضمون. آخر ما صدر في هذا الشأن بشرنا بالتوسع في مشروعات تفريخ »الزريعة» بطرق علمية صحيحة من أجل توفيرها للنمو في مجارينا المائية إالي جانب الاستجابة لطلبات المزارع السمكية بما يقضي علي عمليات الصيد الجائر للحصول عليها والمتاجرة فيها.
لا جدال أن ما تقوم به مافيا الزريعة إلي جانب التلوث أديا إلي الفقر السمكي الذي تعاني منه كل المسطحات المائية الواسعة علي أرض مصر. لا يخفيعلي أحد ان هذه السرقات تتم جهاراً نهاراً علي مرأي من الاجهزة المسئولة التي تخليبعض مسئوليها عن ضمائرهم ومسئولياتهم في مقابل الحصول علي المعلوم. هذا الجانب من المنظومة التي تعد أحد الأسباب الرئيسية للنقص السمكي وبالتالي ارتفاع أسعاره يعني تعظيماً »لمقولة حاميها حراميها» والتي يتحمل تداعياتها المدمرة المواطن المستهلك المغلوب علي أمره.
إن خلاصنا من هذه الأزمة ذات الأبعاد العلمية والمهنية والأخلاقية مرهون بانتهاء المشروعات القومية للمزارع السمكية التي يتبناها الرئيس عبدالفتاح السيسي. إنه ولضمان أن تحقق هذه المشروعات التي تقام في كفر الشيخ وقناة السويس تم إسناد تنفيذها الي الهيئة الهندسية للقوات المسلحة. من المؤكد ان بدء تشغيل هذه المشروعات سوف يساهم بشكل أساسي في حل أزمة نقص البروتين السمكي.
من ناحية أخري فإن هناك أملا كبيرا في أن يعطي الدكتور عبدالمنعم البنا وزير الزراعة الذي تدخل ضمن مسئولياته أجهزة تنمية الثروة السمكية المزيد من خبرته واهتمامه بهذه القضية لما لها من انعكاسات اقتصادية واجتماعية. إننا في انتظار أن يتخذ من الخطوات اللازمة والواجبة لدفع هيئة تنمية الثروة السمكية للقيام بعملها ومسئولياتها بالشفافية والفاعلية.. في نفس الوقت فإننا نتطلع الي أن يكون هناك تعظيما لعمل أجهزة المسطحات المائية الأمنية في الرقابة والقيام بدورها في مكافحة التلوث والتصدي بأمانة ومصداقية لمافيا سرقة الزريعة من البحار والبحيرات.
بالتأكيد إن سلامة منظومة تنمية الثروة السمكية من كل جوانبها هو السبيل الوحيد للقضاء علي الازمة ونقص الاسماك وانفلات اسعارها.