الأهرام
أحمد هوارى
كتائب «داعش» الإعلامية
كن حذرا يا سيدي.. فى الحروب، قد تهزم نفسك بيدك قبل يد أعدائك، وقد تتحول، دون أن تشعر، لأداة تدمير من يريد تدميرك، وقد تصير،
بضغطة زر لا وعى فيها، مجاهدا فى كتائب «داعش» الإعلامية. اعتمد التنظيم الإرهابى الأخطر فى العالم على إستراتيجية إعلامية تقوم على الانتشار من خلال بث مشاهد القتل والتمثيل المرعبة، تلك المشاهد التى يعمد المتلقى إلى مشاركتها بشكل تلقائى تبيانا لما يرتكبه «داعش» من جرائم مخيفة، وبشكل غير مباشر يمارس المتلقى الدعاية للتنظيم دون أن يقصد، بأعلى نسب مشاهدة وتعليق عبر مواقع التواصل الاجتماعى.

ما إن وقع تفجير أحد الشعانين الإرهابى الخسيس فى كنيسة مارجرجس بطنطا حتى امتلأت صفحات مواقع التواصل بعشرات الصور المؤلمة لأهالينا من الضحايا.. أشلاء ودماء وجثثا مترامية.. نقلتها وسائل الإعلام على مدى اليوم عبر بث مباشر مستمر مدمر، لا مراعاة فيه لمئات فى بيوتهم من أهالى القتلى والجرحي، ومن خلفهم آلاف الأقباط المكلومين فى عيدهم، ومن خلفهم ملايين المصريين الباكية قلوبهم دما.. عشرات المشاهد ملأت شاشات الهواتف والتلفاز.. لو أراد «داعش» شراء ساعات عرض كهذه للترويج لبشاعاته.. ما كفته أمواله ولا أموال من يموله.

تلك الاستراتيجية التى اعتمدها «داعش» تقوم على عناصر التنظيم وأتباعه، عملوا على تطبيقها بمستويات أداء عالية حققت لها الانتشار عالميا، غير أن المتفاعلين من غير المنتمين للتنظيم هم الأكثر مصداقية فى نقل إجرامه، فما بالك بوسائل إعلام تدخل كل بيت وتستقر فى كل عقل وعيا جماعيا.

ثم كان أن وقع تفجير الإسكندرية عقب وقت قليل من طنطا، فإذا بمواقع التواصل تمتلئ بأنباء عن تفجيرات شبيهة، لا أصل لها بالواقع، فى أسوان والمنيا وغيرهما، أنباء يتشاركها الجميع دون وعى ويتداولونها دون مسئولية، تنقلها عنهم وإليهم مواقع إخبارية لا هم لها سوى جلب القراء، ليقع البلد بأسره أسيرا مشتتا مشلول القوى فى قبضة هذه الكلمة المرعبة ..«أنباء عن..» تلك التى تنشرها كالنار فى الهشيم دون أن تدرى ما وراءها، لا يريد «داعش» مثل تأثيرها وسرعة انتشارها، ليتمكن من أهداف لم يكن ليصل إليها، ويضع الدولة تحت هجوم افتراضى خادع يوقع فى النفوس خوف المدافع الثقيلة.. بكلمة قاتلة، لا يهزمها سوى بعض التحرى قبل ضغط زناد الـ«مشاركة».

الهدف من التفجير الإرهابي، فى نظر وكلاء الحرب بالإرهاب، ليس قتل البشر، يود المفجر ومن وراءُه أن يكسر شوكتك، أن يزرع داخلك الخوف، أن يحطم روحك، أن يذبح إحساسك بالأمان، أن يشعرك بالقنوط، أن يفجر غضبك ويأسك، أن يلقى فى نفسك بذور الفرقة، فتصبح الفتنة خيارك الخاص الحر، وتخرب بيتك بكامل قواك العقلية، ما أصابك أمر مما سبق إلا كان نصرا له، وما غلبت نفسك على أمر مما سبق إلا كان نصرا لك. ذلك الغرض لم يكن ليكتمل لولا ماكينة إعلامية ضخمة، تخرج بآثار التفجير عن حدوده، تنشره على نطاق واسع بإلحاح لا هوادة فيه، يتلقفها إعلامنا سعيا وراء الأعلى قراءة والأكثر مشاهدة، فيتحول كل من يشارك الخبر، ومن ينشره، دون أن يشعر، لذراع إعلامية للتنظيم.

هرولت برامجنا الحوارية لاهثة خلف الأحداث سعيا وراء قسمتها فى كعكة المشاهدات، تتسابق لاستضافة أهالى الإرهابيين مرتكبى التفجيرين، فى مشهد قلما تجد مثيله فى أى دولة أخرى، فلا تدرى ما الغرض من لقاءات كهذه.. ولا تفهم أى رسالة إعلامية سامية تحملها.. ما لم تكن من أجل «داعش»، لا من أجل هزيمته.

ما وقعنا فيه عبر تفجيرى كنيستى مارجرجس بطنطا والكاتدرائية المرقسية بالإسكندرية من أخطاء فادحة، يستلزم من الجميع وقفة قبل فوات الأوان.. فما نفعله بأنفسنا، أخطر مما يفعله التنظيم الإرهابى الأكثر خسة بنا.. وما دامت المعركة دائرة، فالحذر فى هذا المقام مسألة حياة أو موت.. والوعى إما سلاح معك أو سلاح عليك
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف