خرج عشرات الألوف من مواطني البرازيل يحتجون علي دمج وزارة الثقافة في وزارة التربية والتعليم. علت الهتافات تطالب بالإبقاء علي وزارة الثقافة. واجه المتظاهرون رد الشرطة بالإصرار علي مطلب منع إلغاء الوزارة.
استعدت في المشهد الصاخب ما ثار في حياتنا. في فترات متقاربة أو متباعدة. حول إلغاء وزارة الثقافة. ليس ضمها إلي وزارة أخري. وإنما إلغاؤها تماماً باعتبار عدم الحاجة إليها. أو انها تكلف اقتصاد الدولة ما يجب انفاقه في مجالات الخدمات والتنمية الأخري.
أخشي ان التعبير قد يكون صادماً حين أصف الموقف من وزارة الثقافة بأنه يعبر عن فقدان وعي. تلك هي الحالة الوحيدة التي تصدر عنها الدعوة إلي إلغاء وزارة الثقافة. ربما يجد البعض في الهيئات التابعة للوزارة ما يغني عن الوزارة الأم. لكن المنهج المتكامل الذي يخطط للتصورات والأفكار. يحاول تلبية احتياجات البيئة من الفعل الثقافي. يفرض وجود الرأي الذي يرسم لأجزاء الجسد حدودها. ويلزمها تلك الحدود. لا تكرر الأنشطة. ولا تختلط. ولا يعاني تعدد الوظائف ثغرات تنفذ منها الأخطاء.
حسب اجتهادي الشخصي. فإن الثقافة بمعني قراءة الكتاب. وسماع المقطوعة الموسيقية. ومشاهدة المسرحية أو الفيلم.. هذه الثقافة ليست سوي "معرفة". يتعلم المرء جديداً يضيفه إلي مخزونه المعرفي. أما الثقافة - بالمعني الذي أقدره - فإطارها السلوك. الفعل. التصرف. المثقف هو الإنسان ذو المعرفة والموقف الحضاري في آن. لا قيمة لقراءة الكتب وسماع الإذاعات ومشاهدة المسرح والسينما والقنوات الفضائية. ما لم يلتحم بذلك كله سلوك يعني بالتطبيق الايجابي. والفعال. لكل ما حصله المرء من معرفة. إذا أفاد المرء من معرفته في تصرف ايجابي. فذلك تصرف مثقف. والثقافة صفة يصح ان نطلقها علي صاحبه. ثمة متعلمون يحملون في رءوسهم ما حفظوه. دون ا ن يشغلهم التطبيق. يفيدون من ذاكرتهم الحافظية أو الاستيعابية. لكنهم لا يحاولون الإفادة مما أودعوه ذاكرتهم في الاضافة والتطوير. واستعير من أستاذنا زكي نجيب محمود قوله ان الثقافة هي الروح التي تسري لتدفع ذلك البناء المعرفي. المعلومات والعلوم. نحو غايات معينة. يريد الإنسان تحقيقها.
ذلك هو دور العمل الثقافي العام. دور وزارة الثقافة.
لاكتمال معني العمل الثقافي في البرازيل. فقد عرف المواطنون قيمته وجدواه. وخرجوا بالتالي لرفض دمج وزارة الثقافة في وزارة أخري.
لو أن الثقافة - كمنهج وتطبيق - استقرت في الأذهان. فستتبدل المطالبة بإلغاء الوزارة إلي المطالبة بدعمها.