الجمهورية
جلاء جاب اللة
المجلس الأعلي لمكافحة الإرهاب.. كيف ولماذا؟
.. هل لدينا استراتيجية واضحة لمواجهة الإرهاب؟
.. لقد أعلن الرئيس عن تشكيل المجلس الأعلي لمكافحة الإرهاب.. فهل ستكون مهمته وضع تلك الاستراتيجية أم أن لدينا رؤية واستراتيجية وستكون مهمة هذا المجلس وضع الآليات للتنفيذ ومتابعتها؟
كلنا متفقون علي أن المواجهة الأمنية وحدها لا تكفي لكنها ضرورية ومهمة للغاية خاصة أن الإرهاب لا قلب له ولا دين ويمتلك دعما خارجيا وداخليا كبيرا حتي أن آخر مخزن للأسلحة الإرهابية قدرته بعض الجهات بأنه يضم أسلحة ثمنها حوالي خمسين مليون جنيه!!
.. عندما تمت المراجعات الفقهية للجماعة الإسلامية في السجون.. اعتقدنا أن هذه المراجعات هي البداية وستكتمل حلقاتها باستراتيجية كاملة لمواجهة الإرهاب وتجفيف منابعه الفكرية والتربوية والإعلامية. ولكن توقفت المراجعات.. ووجدنا عددا ليس قليلا من قيادات الجماعة عادوا لفكرهم الأسود كما كانوا خاصة بعد فترة حكم الإخوان.. لكن هذا لا ينفي أن عددا مميزا من قادة الجماعة وفي مقدمتها المفكر المميز الدكتور ناجح إبراهيم واصلوا الفكر المستنير والرؤية المحترمة في مواجهة العنف والإرهاب.
كعادتنا نبدأ بحماس ثم نتوقف وننسي وهذا ما لا يجب أن يكون أبدا في قضية مثل الإرهاب ليست قضية جديدة ولن تتوقف لأن الإرهاب باسم الدين أمر متكرر مع كل دين.. ومازال..!!
المواجهة الأمنية للإرهاب تحتاج قانون الطوارئ للمواجهة الساخنة والشاملة ودحر كل أشكال الإرهاب المسلح.
المواجهة الفكرية والتربوية والإعلامية للإرهاب تحتاج رؤية وفكرا وأسلحة متعددة تبدأ بالتشريعات القانونية التي يجب أن يتصدي لها مجلس النواب فورا.. مرورا بإعادة تقييم أداء الجهات والأجهزة الدينية والتربوية والفكرية والإعلامية..!!
تجديد الخطاب الديني مثلا ليس هو القضية الأساسية بل كيفية وصول هذا التجديد إلي الشباب وبقية المسلمين هو الأهم.. وتجديد الخطاب الديني وحده لا يكفي.. نحن بحاجة إلي تجديد الخطاب الثقافي وتجديد الخطاب التربوي وتجديد الخطاب المجتمعي.. نحن بحاجة إلي تجديد شامل وكامل في الرؤية والفكر والعمل.. لا نتوقف عند أدوات جامدة أو رؤية ثابتة.. ولا نتوقف عند الهجوم علي الأزهر ونعتبر كل ما هو إسلامي إرهابي.. لأن هذا هو الإرهاب بعينه..!!
الهجوم علي الأزهر مثلا أو علي شيخ الأزهر العالم الفاضل الكبير لن يؤدي أبدا إلي تجديد الخطاب الديني بل سيخلق صراعا بين ما هو أزهري ومدافع عن الأزهر وبين كل من يهاجم الأزهر أو حتي ينتقد أداء بعض قياداته.
الهجوم علي شيخ الأزهر تحت أي مسمي مرفوض ليس لأنه معصوم أو لأنه فوق النقد.. بل لأن الهجوم علي الرجل الفاضل والعالم الكبير لا منطق له ولا مبرر.. أما انتقاد بعض من حوله إذا كان هناك خطأ حقيقي وقع من أحدهم فهو أمر طبيعي مادمنا نتحدث عن الرأي والرأي الآخر.. فما يقال عن خطاب لوكيل الأزهر - مثلا - في تمجيد الإخوان والدفاع عنهم - يحتاج تحقيقا وقرارا.. وما يقال عن المسئول عن الشئون القانونية بالأزهر ودوره في إبعاد كثيرين من دائرة العمل حول الشيخ الجليل يحتاج تحقيقا وإعلانا.. وليس عيبا أن يحقق شيخنا الفاضل فيما يثار ويقال عن بعض الدائرة الضيقة حوله.. ولكن العيب كل العيب أن ندافع عن الخطأ أو نهاجم شيخنا الكبير بسبب من حوله..!!
إن الدكتور أحمد الطيب لا يحتاج لمن هو مثلي في الدفاع عنه فمواقف الرجل ووطنيته ودينه وعلمه يكفي لنقول من هو شيخ الأزهر ولعل حدث ثورة 30 يونيه كافية لنقول من هو الشيخ أحمد الطيب في حب الوطن ولكن المطلوب هو تحديد الاستراتيجية والآلية.. لأن معركة التجديد - وأكرر - "معركة" التجديد تحتاج آليات ودعما ونفسا طويلا.. ولن تنجح هذه المعركة بالهجوم علي الأزهر أو ضرب الثوابت الأزهرية بل تنجح بدعم الأزهر والتأكيد علي مكانته الثابتة منذ العصر الأيوبي حتي الآن..!!
القضية المهمة أيضا هي الإعلام وعندما نتحدث عن الإعلام لابد أن نبدأ ب "دين السوشيال ميديا".. فما ينشر علي مواقع التواصل والشبكة العنكبوتية يحتاج تقييما وتقويما ومراجعة.. بل ومحاسبة شديدة وأنا هنا لا أتحدث عن إرهاب السوشيال ميديا أو مواقع العنف والإرهاب فقط.. بل أتحدث عن قضايا دينية عادية أيضا يتم الترويج لها عبر مواقع التواصل الاجتماعي وتبث آراء وفتاوي خاطئة وأحاديث مكذوبة وفقها لا أصول له نستطيع أن نسميه "فقه الإنترنت" ولعلنا لم ننس بعد فتاوي الفضائيات التي تحولت الآن إلي فقه الإنترنت.. وكيف يمكن مواجهة هذه الفوضي التي تمس أصول الدين وتحض علي العنف والإرهاب.
المواجهة التشريعية لهذه الفوضي ضرورة ولكنها وحدها لا تكفي.. بل لابد من حرب إلكترونية فكرية يقودها شباب أزهري متدين وسطي فاهم وواع.. يواجه الرأي بالرأي والفكر بالفكر ويوضح بشكل جذاب وجيد الصورة الحقيقية للإسلام ويبرز وسطية الدين ويعلي قيم الحب.
الحب الذي نريده أن يسود ويعود بقوة إلي مجتمعنا هو الذي يقودنا إلي تجديد الخطاب المجتمعي.. فالمجتمع الآن يموج بتيارات وأفكار غريبة علي مجتمعنا.. وهناك محاولات قوية لتغريب المجتمع.. وهذا التغريب المتعمد أحد أدوات الإرهاب الخفية.. لأن شبابنا الذي يجب أن يواجه الإرهاب الفكري أصبح غريبا في مجتمعه.. بعيدا عن أصوله وتلك هي الأزمة الكبري التي نعاني منها.. لدرجة أن لدينا شبابا رائعا لكنه لا يعرف العربية.. شبابا مسلما لا يجيد قراءة القرآن أو فهم معاني كلماته ولا أقول تفسير معانيه..!!!
حالة التغريب التي نعيشها هي الأزمة التي نواجهها فعلا لأنها أفقدتنا جزءا كبيرا من أدوات المواجهة الحقيقية للإرهاب الفكري.. شبابنا مظلوم لأننا تركناه وحده في مواجهة التيارات الفكرية وتكنولوجيا الاتصال الحديثة التي استهوته لكنها جرفته بعيدا عن أرضه وعن واقعه وعن مجتمعه فبات غريبا في وطنه.. بعيدا عن دينه.. وبالتالي ترك الساحة سهلة ومنبسطة أمام الإرهاب ليغزو عقول شباب ناضج.. تم خداعه باسم الدين.. والآخرة.. والجنات.. وحور العين..!!
نعود إلي المواجهة.. بداية من المواجهة الدينية في تجديد الخطاب الديني وهذا قائم فعلا لكنه لا يصل إلي الناس.. ولعل هذه الحقيقة تجعلنا نتساءل: أين قناة الأزهر..؟
وليس سرا أننا في دار التحرير للطبع والنشر حاولنا أن نغزو عالم الفضائيات وكانت ضمن خططنا تحويل جريدة "عقيدتي" إلي منبر إلكتروني ثم منبر فضائي لنشر الوسطية والاعتدال ومواجهة الفكر المتطرف ونشر صحيح الدين في مواجهة كل رأي ضد الإسلام.
صحيح أننا واجهنا أزمة السيولة المالية وتوقف خطواتنا ولكن ما أعرفه أن قناة الأزهر يمكن - بإمكانيات الأزهر ورجاله - أن تكون منبرا في مواجهة التطرف والرأي الفاسد الذي يسيئ إلي الإسلام..!!
المجلس الأعلي لمكافحة الإرهاب أصبح ضرورة وكان قرار الرئيس عبدالفتاح السيسي بإنشاء هذا المجلس ضرورة.. المهم أن يبدأ.. في عمله بمواجهات فكرية ومجتمعية وإعلامية وأن يكون لدي هذا المجلس جيش إعلامي قوي يتم إعداده وتدريبه بشكل تقني عال.. وبرؤية مستنيرة تعبر عن الإسلام الوسطي الصحيح.. دين الحب والتسامح.. الإسلام الذي انتشر بالحب وليس السلاح كما يدعي أعداء الإسلام.. الإسلام الذي كان عنوانه السلام والحب والرحمة والتسامح والقوة لإرهاب العدو وليس لقتله.. الإسلام نبيه نبي الرحمة المهداة للعالمين.. الإسلام الذي أسس للرحمة والحب والتسامح ودعا المسلم ليكون عنوانا للحب والتسامح.. وعنوانا للرحمة تجاه الإنسان وتجاه الحيوان والنبات والمجتمع والبيئة.
إسلامنا هو ما دعا إليه محمد - صلي الله عليه وسلم - ونشره صحبه الكرام بحب وصدق وجهاه. بدأ بجهاد النفس والدفاع المشروع عن الأرض والعرض والدم والإنسانية.
ومن هنا.. يكون ضروريا أن يبدأ فورا عمل المجلس الأعلي لمواجهة الإرهاب من هذه المنطلقات الأساسية.
همس الروح
** الحب سلاح الإيمان.. وأداة الإحسان.. لمن يفهم.
** الإسلام دين الحب والرحمة والتسامح.
** عندما دعانا الله لإعداد القوة لم يوجه القوة لقتل إنسان.. بل للردع والدفاع.
** الرحمة والإحسان والحب سلاح المسلم.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف