الجمهورية
على هاشم
مكرم.. كرم.. حسين.. مهمة صعبة لإنقاذ الإعلام والصحافة !
* بعد خروج تشكيل مجالس وهيئات الإعلام والصحافة إلي النور .. أصبح السؤال : متي نري جهدًا ملموسًا لتغيير الواقع المتردي للإعلام والصحافة . وإنقاذهما من التدهور الشديد الذي لحق بهما منذ أحداث 25 يناير .. حتي بات الإعلام متهمًا بأنه جزء من المشكلات التي تعيشها مصر . وليس طريقًا للحل أو الخروج من الأزمات .. تراجعت الرسالة .. وتقدمت المصالح الضيقة .. غاب الضمير المهني وحضر الطمع في العرَض الزائل . تراجعت أولويات الوطن بعد أن تقدمت مصالح الممولين وأصحاب الفضائيات والصحف والمواقع الخاصة .. وبدلاً من أن يكون الإعلام موقظًا للوعي . محفزًا لهمة الجماهير صار سلعة تباع وتشتري بالمال . وخدمة مدفوعة الأجر لمن يملك الثمن .
تراجعت الموضوعية والمهنية . وحلت العشوائية . وغرقنا في المحلية وفقدنا البوصلة نحو الريادة أو التأثير في الرأي العام العالمي الذي يدرك كم تراجعنا .. وكم أهملنا في الحفاظ علي ما تركه لنا جيل النهضة وروادها من رفاعة الطهطاوي إلي جمال الأفغاني مرورًا بالإمام محمد عبده وصول إلي التابعي والحمامصي وهيكل وغيرهم من نجوم الزمن الجميل .. وربما يثور هنا سؤال : لماذا كل هذا التراجع .. والجواب : لأن بيئة خصبة قادرة علي فرز أجيال عفية قد غابت بكل مقومات النجاح والتألق .. وغابت معها ضوابط الأداء ومقومات الإبداع والإتقان وصارت كثرة المشتغلين بالمهنة وبالاً عليها .. وبدلاً من أن يكون الإعلام صانعًا للوعي . معالجًا لأسباب التخلف . حريصًا علي نشر العلم والاحتفاء بالعلماء . ومناصرة القضايا القومية الكبري.. تراجعت اهتماماته وشغل الناس بسفاسف الأمور وتوافه الأحداث . فأفردت الشاشات والصفحات مساحات واسعة لتغطية جرائم كالقتل والاغتصاب .. والأدهي أن تستسلم لغواية الدجل والشعوذة وما ينطويان عليه من تغييب للعقول وإفساد للفكر والثقافة والسلوك .
ولأن الإعلام قوة ضاربة في أي معركة . فقد عوَّل الرئيس السيسي عليه كثيرًا في معركة البقاء والبناء التي يخوضها وطن يتعرض للهدم والاغتيال من جماعات الشر وأحلافه في الداخل والخارج.. كما كان الرئيس يعول كثيرًا علي المؤسسات الثقافية والدينية والتعليمية والمفكرين والعلماء والمجتمع المدني لتغيير المفاهيم المغلوطة وأفكار التطرف والعنف والإرهاب التي تقتل الحياة وتهدم كل فرصة التقدم .. ولم يترك الرئيس مناسبة دون التذكير بهذا الواجب والدفع إليه.. حتي أصبح السؤال : هل قام الإعلام والمؤسسات سالفة الذكر بدورها في معركة الإرهاب أو البناء والتنمية ..؟!
لا جدال أن قوة مصر الناعمة تراجعت في الآونة الأخيرة لأسباب كثيرة .. ورغم أن النخبة أسهمت في سقوط أنظمة سياسية لكنها للأسف لم تقدم بديلاً ولا إجابة للحظة القادمة .. تماهت مع حركة الجماهير لكنها لم تستطع قيادتها وتوجيهها الوجهة الصحيحة .. لم تقدم بديلاً واضحًا ومقنعا أو إجابة عن سؤال : وماذا بعد سقوط النظام ؟! وانخراط الجميع في الهدم .. وسقط بالفعل نظامان . نظام مبارك ومن بعده الإخوان .. لكن أحدًا من النخبة لم يكن يملك جوابًا موضوعيًا للسؤال وماذا بعد ..؟!
وهنا نعيد طرح السؤال علي هيئات الإعلام والصحافة ومجلسها الأعلي : هل ثمة خارطة طريق للخروج الآمن مما تعانيه منظومة الإعلام حاليًا من مواجع وآفات وسقطات وتراجعات واختلالات.. هل تملكون مقومات العبور لمنظومة جديدة وواقع أكثر إشراقًا .. هل ثمة طروحات تستلهم تجارب ناجحة من حولنا؟!
أتصور أن الساحة باتت مهيأة لمثل هذا التغيير المرتقب .. ويُفترض أن أعضاء ورؤساء هيئات الإعلام والصحافة يملكون رؤية للتغيير والإصلاح جئ بهم علي أساسها . ويفترض أيضًا أن يختاروا وفقاً لها قيادات الصحف والإعلام الجدد لتغيير المنظومة القديمة برمتها. شخوصًا وسياسات وبيئة حاضنة .. فالكل يدرك خطورة الأوضاع الحالية سواء في الصحف القومية المتعثرة أو تليفزيون الدولة المتداعي وحجم الديون الرهيبة والأعباء الجسيمة لهذه الكيانات التي يصارع أحسنها حالاً للبقاء . ودخل بعضها الآخر نفقًا مظلمًا ليس له من دون الله كاشفة .. ويحتاج الجميع بلا استثناء لجراحة عاجلة وإعادة هيكلة شاملة ماليًا وإداريًا وتحريريًا .
الدستور كفل حرية الإعلام واستقلاله وطرق إصلاحه بنصوص ضامنة لحرية الحركة والتغيير. وتذليل ما يعترضه من عقبات وقيود لا تملك معها المجالس الجديدة والحكومة ترف التأجيل أو التراخي في علاج منظومة طالما شكونا منها ومن خطورة إهمالها كل هذا الوقت دون علاج ناجع.. وقد آن الأوان لتقديم ما يلزمها من دعم مالي ولوجيستي للوقوف علي قدميها من جديد. ولإنقاذها من موت تلوح إرهاصاته في الأفق ووضعها علي الطريق الصحيح للإصلاح بعد أن تلكأت حكومات عديدة قبل ثورة يناير وبعدها في اتخاذ القرارات السليمة لذلك الإصلاح .. ولعل هناك جهودًا بذلت في هذا الصدد لا ينبغي إهمالها أو القفز عليها. ومنها مثلاً ما أعده مكتب حازم حسن من دراسات لعلاج تدهور الصحف القومية وغيره من جهود معتبرة .
الآن .. الكرة في ملعب الهيئة الوطنية للصحافة التي يرأسها الكاتب الصحفي كرم جبر. و الهيئة الوطنية للإعلام التي يرأسها الإعلامي حسين زين وقد حان وقت اختيار قيادات جديدة للصحف القومية وتليفزيون الدولة علي أسس ومعايير واضحة موضوعية وشفافة تستند إلي الكفاءة والخبرة والقدرة علي الإدارة الرشيدة والتفاهم والتوافق مع زملاء المهنة في كل موقع. بعيدًا عن الخلافات أو تصفية الحسابات أو الاستقطابات أو المجاملات .. لابد من اختيار شخصيات مشهود لها بالنجاح والقدرة علي الإصلاح وابتكار حلول من خارج الصندوق وليس اعتمادًا علي الغير في تدبير الموارد أو المصروفات أو حل المشكلات كما كان يحدث منذ وقوع ثورة يناير .. والسؤال للجماعة الصحفية الآن : هل سيتم العمل بمبدأ الفصل بين التحرير والإدارة. بحيث لا تجمع أي قيادة صحفية بين منصب رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحرير لأي إصدار لمنع تكرار الكوارث التي تسبب فيها هذا الجمع .. وحتي لا نحرم أيا من المنصبين من ميزة التفرغ التام له. وحتي لا يؤدي الجمع بينهما إلي فقدان التركيز في كل منهما .. وحتي نعطي الفرصة لتداول مراكز القيادة بين الأجيال الجديدة . ولا نهدر مبدأ تكافؤ الفرص أو العدالة في تولي المناصب .. وإذا كانت منظومة الإعلام والصحافة بصدد تغيير كبير.. فلماذا لا يشمل كل الوجوه القديمة بلا استثناء لضخ دماء جديدة في شرايين الإعلام المتيبسة ؟
لقد أصبح لزامًا علي هيئتي الصحافة والإعلام ومجلسهما الأعلي المسارعة لاستكمال خارطة المستقبل التي جري إعلانها في 3 يوليو 2013 . بوضع ميثاق شرف يجسد القيم الأخلاقية للإعلام والصحافة بمشاركة نقابتي الصحفيين والإعلاميين . يستوي في ذلك الإعلام المرئي والمسموع والمطبوع والإلكتروني حتي يبرح الإعلاميون منطقة شائكة زلت فيها أقدام وتعثرت فيها أخري .
ولا حاجة للقول إن علي تلك الهيئات تشكيل لجان لتلقي وسماع شكاوي المواطنين والعاملين بالمهنة أيضًا . وإزالة أسبابها .. فما أكثر ما تعانيه المهنة من مشكلات لا تجد من يستجيب لمطالب أصحابها .. ولا يخفي أنها أيضًا في حاجة لتغيير جذري وإصلاح شامل يضع ضوابط جديدة ويراقب الالتزام بها .. وإذا كانت الصحافة - كما تعلمناها تختصر في أفكار وأخبار . وآراء هي حق مقدس لأصحابها . ومعلومات هي حقائق مجردة لا مخالفة فيها ولا توجيه فإن حال إعلامنا وصحافتنا يبدو نقيضًا لذلك تمامًا . يشوبه عوار ومثالب عظيمة .
ورغم الدور المهم الذي نهض به إعلامنا في إشعال ثورتي يناير و30 يونيو فإنه للأسف لم يتجاوز دائرة هدم النظام إلي البناء والتقدم وخوض معارك التنمية وصياغة إنسان المستقبل وللأسف لم تمد الحكومات المتعاقبة يدها لإنقاذه ولا حل مشاكله وتخليصه من ديونه وسوء إدارته . ولا هيأت الطريق للصحف القومية حتي تؤدي دورها المأمول بحسبانها رمانة ميزان وصمام أمان للرأي العام وصاحبة النسبة الأعلي في القراءة والمتابعة حتي الآن.. وكانت النتيجة أن فقدت تلك الصحف قدرتها الذاتية علي تجاوز أزماتها. خصوصًا المالية. وباتت عالة علي الدولة في تدبير معظم مواردها المالية لدفع أجور العاملين فيها .. وفي المقابل لم تلتزم الصحف والفضائيات الخاصة بالمهنية الواجبة. ولا أسهمت في حل مشكلات مستعصية يئن منها المواطن . ولا مارست دورها المنوط بها علي غرار ما تفعله نظيراتها في العالم باعتبارها سلطة شعبية تحرس قيم المجتمع وحقوقه . وتراقب أداء السلطات سواء التنفيذية أو التشريعية . وتكشف أوجه القصور والسلبيات. وتشيد بالإيجابيات والإنجازات بميزان عدل في ظل رقابة القضاء الذي يوقع الجزاء المناسب في حق المتجاوزين بالغرامات المناسبة وليس بالحبس أو المصادرة اللذين يخالفان الدستور ومبادئ الديمقراطيات الحديثة . فإنْ تخطئ في العفو خير من أن تخطئ العقوبة .
.. ويظل السؤال : هل ينجح المجلس الأعلي للإعلام والصحافة برئاسة الكاتب الصحفي مكرم محمد أحمد في إصلاح حال إعلامنا . وإعادته إلي جادة الصواب والموضوعية والصدق .. حتي يمارس دوره في الرقابة والتنوير ويستعيد مصداقيته ..؟!
مشروع قانون تنظيم الصحافة والإعلام المزمع مناقشته في البرلمان وإصداره والذي أرجو أن يكون قريبًا. كما أرجو أن يكون عونًا للمهنة علي أداء دورها وتمكينها واستعادة هيبتها وتأثيرها في الجمهور بلا قيود ..كما أرجو أن تسارع الحكومة والبرلمان بإصدار قانون حرية تداول المعلومات الذي من دونه يظل من الصعب ضبط منظومة الإعلام وتصحيح أخطائها .. وأخيرًا هل تسهم مجالس وهيئات الإعلام والصحافة في عودة إعلام الزمن الجميل . واستعادة وجهه المشرق . وتطوير أدائه بالتدريب الجيد وتواصل الأجيال . وتداول الخبرات والنقد الذاتي والتقييم المستمر للأداء حتي تعود الصحف لمعدلات مناسبة في توزيعها الذي تراجع كثيرًا في الفترة الأخيرة.
يعول الوطن علي الإعلام كثيرًا . لتحصينه ضد رياح الفتنة الطائفية التي تهب بين الحين والآخر .و تتعاظم حاجة أمتنا إليه . وعودته ملتزماً بقضاياها في ظل ما تعانيه من ظروف قاسية .. نرجو أن تكون مجالس وهيئات الإعلام والصحافة قيمة مضافة وإنقاذاً للمهنة .. وإلا أصبحت وبالاً علي مصر كلها ..!!
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف