عباس الطرابيلى
وفاة.. أنظف رئيس وزراء لمصر
بهدوء.. مرت أمس ذكرى وفاة أنظف رئيس وزراء لمصر على مدى قرنين من الزمان.. والراحل العظيم هو محمد بك لاظ أوغلى وكان يحمل أحيانا لقب وكيل الوالى أو الباشا محمد على.. وأحيانا لقب كتخدا.. والكتخدا هو بلغة العصر نفس عمل رئيس الوزراء.. بل إنه جمع بين وظيفتى الكتخدا ورئيس ديوان الجهادية «أى وزارة الحربية والبحرية» حتى عندما كان إبراهيم باشا هو قائد الجيوش.. ولكن لماذا أصفه بأنه أنظف رئيس للحكومة عرفته مصر؟.
كان الوالى الطموح محمد على باشا منذ تولى حكم مصر عام 1805 مشغولا بحروبه ومعاركه سواء بالداخل مع المماليك.. أو بتجهيز جيوشه لمحاربة الوهابيين فى الجزيرة العربية، تنفيذا لطلب السلطان العثمانى محمود، أو الجيوش إلى السودان ثم حروب اليونان، المورة.. ولذلك ترك الوالى محمد على كل الأمور الداخلية والمالية وتنفيذ تعليماته لهذا الكتخدا: محمد بك لاظ أوغلى.. وهو الذى أشرف على انشاء الجيش المصرى الحديث، فى أسوان تحت قيادة سليمان الفرنساوى.. وكان فى نفس الوقت يشرف على تنفيذ المشروعات العملاقة من حفر الترع ومد خدمات التلغراف. وشق الطرق.. وبناء المدارس والاشراف على البعثات.
<< وعندما سافر محمد على باشا إلى السودان للاشراف على أعمال الفتح والتنمية هناك قام محمد على بالتوقيع على 50 قرارًا أو مرسومًا أو قانونًا - على بياض - وتركها أمانة فى يد محمد بك لاظ أوغلى ليستخدمها عند الطلب.. وكأنها صادرة من محمد على شخصيًا.. وبعد أن عاد محمد على من السودان بعد شهور عديدة وجد القرارات كما هى، ولم تستخدم. رغم ما بها من تفويض شامل له ،واللافت للنظر أنه أشرف بنفسه على تنفيذ كل الأعمال دون الحاجة لهذه القرارات أو الأوامر.. وأعاد الأمانة إلى الحاكم الطموح.
<< وعندما مات محمد بك لاظ أوغلى فى مثل يوم أمس 19 إبريل 1826 لم يهتم حاكم الإسكندرية كما يجب بتجهيز ودفن لاظ أوغلى بك.. ولما علم محمد على بهذا غضب غضبًا شديدًا وأمر محافظ الإسكندرية بإعادة دفن الكتخدا بما يليق بمقامه.. ويقال إن محمد على اشرف بنفسه على عملية تكفين الجسد بأربعين لفة من قماش الكتان، كما كان الفراعنة يفعلون مع ملوكهم!! بل وسار محمد على فى هذه «الجنازة الثانية الرسمية» بنفسه. ويجمع كل المؤرخين أنهم بحثوا فى بيته - عقب وفاته - فلم يجدوا فيه إلا دراهم معدودة تكفى بالكاد لإطعام الأسرة!!
<< ولذلك عندما قرر الخديو إسماعيل - حفيد محمد على - تجميل القاهرة بالتماثيل كان قراره بعمل تماثيل لوالده إبراهيم باشا.. وجده محمد على «بالإسكندرية الآن» وسليمان باشا الفرنساوى.. وأيضا محمد بك لاظ أوغلى - وهو تمثاله القائم بميدان لاظ أوغلى بحى السيدة زينب.. وبجوار الدواوين أى الوزارات.. أى الحكومة التى كان يرأسها ويمثلها محمد بك لاظ أوغلى.
ولمن لا يعلم أن محافظ القاهرة المناسترلى باشا كان يومها مع وزير الأوقاف فى حى الحسين. وكانا في حيرة. إذ لم يجدا أى صورة لمحمد لاظ أوغلى وفجأة صرخ المحافظ قائلا: هذا السقا يشبه محمد لاظ أوغلى تمامًا وكان السقا يقوم بتقديم المياه للمصلين بمسجد الحسين.. وأخذاه وألبساه جبة وقفطانًا وعمامة.. وسيفًا.. وصورا وقدما الصورة للمثال الذى صنع التمثال.
<< أى أن التمثال - فى الحقيقة - هو تمثال للسقا. ولكن للضرورة أحكام.
أين هذا من حكام ورؤساء حكومات ووزراء ارتشوا وكونوا الثروات داخل وخارج مصر.. من رجل لم يجدوا فى بيته ما يكفى للكفن.. وعجبى!!