شكرى القاضى
ذاكرة الأمة .. ثلاث إشكاليات علي طاولة النواب
** نحن في سباق مع الزمن للعبور بمصر إلي بر الأمان ولا يجب الانتظار طويلا في طرح قضايانا المصيرية بشفافية علي الرأي العام فقد شهد الأسبوع الفائت خروج قوانين الإعلام والصحافة إلي النور في سابقة دستورية هي الأولي من نوعها منذ تشكيل مجلس النواب قبل نحو مائة عام في أعقاب ثورة الشعب عام 1919 حيث أدي رؤساء وأعضاء المجالس الإعلامية والصحفية اليمين الدستورية في مجلس النواب وحرص رئيس المجلس الدكتور علي عبدالعال علي تأكيد تضامنه مع حرية الإعلام المسئول القائم علي المصداقية والمهنية وهما مبدآن يتم التعامل بهما في ظل دول العالم ولعله من المناسب في ظل هذا المناخ المبشر بالخير أن يحرص حملة الأقلام علي قطع الشك باليقين إزاء العديد من الملفات الشائكة شديدة الأهمية والخطورة علي الأمن المصري والعربي فلا معني علي الإطلاق ان يتغاضي الإعلام عن تناول مثل هذه الملفات الشائكة أو تجاهلها..!
- تتجسد تلك الإشكاليات في ثلاثة ملفات أكثرها إثارة للجدل ملف "تجديد الخطاب الديني" واستهداف مؤسسة الأزهر ولا يختلف اثنان علي أن المطالبة بتجديد الخطاب الديني أمر مهم للغاية في تلك الفترة العصيبة من تاريخ البلاد. خاصة وأن كتب التراث لا تخلو من بعض الأفكار الشاذة التي تستند عليها الجماعات المتطرفة وتتخذ من الدين مطية لتحقيق أهدافها في زعزعة الاستقرار وهدم مؤسسات الدولة. لكن مراجعة كتب التراث شيء والتعرض للنصوص الإلهية شيء آخر تماما. فنحن أمام خطاب كراهية يتبناه بعض الإعلاميين وحملة الأقلام علي طريقة الدبة التي قتلت صاحبها وتكمن خطورة هذا الخطاب في اتهامه للإسلام نفسه وليس للمجموعات الإرهابية التي تنتمي للإسلام في تجني واضح فالإسلام شيء والإرهاب شيء ومن ثم فإن المصداقية والمهنية تتطلبان من أجهزة الإعلام مرئية كانت أو مسموعة أو مقروءة التصدي لمن يشعلون الفتنة في الساحة الإعلامية كما تتطلب من نواب الشعب حماية الوحدة الوطنية والتصدي للدفاع عن الأزهر الشريف في مواجهة المغرضين.
** الملف الثاني: يتلعق بمصير اتفاقية ترسيم الحدود بين مصر والشقيقة السعودية التي تناقشها اللجنة التشريعية بمجلس النواب. فقد دخل ملف القضية منعطفا شديد الخطورة خاصة بعد أن قامت المملكة بتغيير جميع خرائطها الرسمية وفي مقدمتها تلك الموجودة بالمناهج الدراسية والكتيبات السياحية لتضمين الجزيرتين إلي حدودها الرسمية ومن المعروف ان المحكمة الإدارية العليا قد أصدرت حكمها التاريخي يوم السادس عشر من يناير الماضي ببطلان الاتفاقية وجاء في حيثيات الحكم وصف كامل لموضوع الاتفاقية التي أرست من خلاله ولاياتها علي القضية فهاتان الجزيرتان تقعان في مدخل خليج العقبة أمام شرم الشيخ وتتحكمان بشكل واضح في الدخول إلي ميناء العقبة وميناء إيلات في الأراضي المحتلة وانتقال تبعية الجزيرتين من مصر للسعودية يحول المضيق من مجرد مضيق ملاحي تابع لمصر وتحت سيطرتها إلي مضيق دولي ويفقد مصر ميزة استراتيجية وعسكرية كبيرة بينما لا يضيف بعدا استراتيجيا إلي الأمن القومي السعودي بل علي العكس يمنح إسرائيل مزايا نوعية في الملاحة ويفتح لها آفاق أحلام بعيدة بمنافسة قناة السويس والغريب ان بعض أبناء الوطن يصرون علي الدفاع عن هذه الاتفاقية وإثبات عدم مصرية الجزيرتين. لكن الأغرب يتمثل في الاندفاع الحكومي غير المبرر لتمرير هذه الاتفاقية. الأمر الذي يؤدي إلي خلق حالة استقطاب شديدة في المجتمع وعلي مجلس النواب أن يأخذ قراره بشأن هذا الملف فإن استجاب للحكومة وناقش الاتفاقية فلا يستطيع تمريرها أو الموافقة عليها إلا بعد طرحها للاستفتاء الشعبي وفقا لحكم المادة "151" من الدستور..!
** آخر الكلام :
- الملف الثالث والأخطر. ملف السد الإثيوبي فالقضية بالنسبة لمصر قضية حياة أو موت ودعونا نتوقف أمام تصريح أحمد أبوالغيط أمين عام جامعة الدول العربية الذي أدلي به لجريدة "الشرق الأوسط" حول تأثير السد علي حصة مصر من مياه النيل قائلا: إن ملء سد النهضة خلال ثلاث سنوات سيؤدي إلي سحب 35 مليار متر مكعب من حصة مصر المقدرة بخمسة وخمسين مليار متر مكعب..!
- ومخطئ من يظن أن مصر غافلة عن تداعيات سد النهضة ولعل ما شاهدناه بالأمس من لقاءات سياسية ودبلوماسية علي أعلي مستوي في القاهرة وأديس أبابا تمثل رسالة واضحة للمجتمع الدولي مفادها أن القيادة السياسية المصرية حريصة علي استنفاد كل السبل السياسية للحفاظ علي حقوق المصريين في ماء النيل وعلي مجلس النواب ومن خلفه كل المصريين وفي مقدمتهم أجهزة الإعلام دعم الرئيس ووضع النقاط فوق الحروف بالنسبة لهذا الملف فالأمر جد خطير.