الأهرام
نيفين مسعد
على هامش زيارة السيد عمار الحكيم
انتهت الزيارة الحافلة التي قام بها السيد عمار الحكيم رئيس المجلس الأعلي الإسلامي والتحالف الوطني العراقي إلي مصر، فلقد التقي في هذه الزيارة عددا من كبار المسؤولين المصريين، في مقدمتهم رئيس الدولة ورئيس مجلس النواب وشيخ الأزهر وبابا الكنيسة الأرثوذوكسية، كما تحاور مع عدد من رموز الثقافة والسياسة والإعلام في مصر . هذه الزيارة الأولي من نوعها تأتي في سياق التطور المشهود في العلاقات المصرية - العراقية الذي تبلورت ملامحه في عام 2016 وكان من دلائله كثافة الزيارات الرسمية المتبادلة بين الجانبين، واتساع نطاق التعاون الاقتصادي انطلاقا من الاتفاق علي تزويد مصر شهريا بمليون برميل من النفط الخام، وإحياء مشروع الأنبوب النفطي من العراق لمصر مرورا بالأردن . وثمة آمال كبيرة في مزيد من تعميق العلاقات الثنائية بين الدولتين، ففي لقاء موسع قبل شهرين كان ضيفه سفير العراق الجديد في القاهرة حبيب الصدر - وهو من أسرة عراقية عريقة كما يتضح من الإسم - تحدث الصدر عن فرص واسعة لتعاون البلدين من خلال المساهمة في إعادة إعمار العراق وتشغيل العمال المصريين وزيادة الصادرات المصرية ، وكان المعرض التجاري المصري في بغداد قد انتهي بنجاح لافت قبيل انعقاد اللقاء بوقت قصير.

لكن ثمة أهمية أخري لزيارة الحكيم أتوقف أمامها ، وهي أن الرجل جاء إلي القاهرة حاملا مبادرته للتسوية الوطنية التي طرحها من نحو عام علي وجه التقريب والتي سبق له عرضها في أُطر وسياقات مختلفة. جوهر المبادرة هو تكوين كتلة وطنية عابرة للانتماءات الأولية تحتكم في أدائها السياسي إلي معيار الصالح العام وليس إلي المعيار العددي. وما أفهمه من هذه المبادرة هو أنها تمثل محاولة للحد من سلبيات المحاصصة الطائفية التي قامت علي أساسها العملية السياسية برمتها من عام 2003 والتي أهدرت فرص الاستفادة بالكفاءات الوطنية نتيجة التقيد بنِسَب تمييزية بين الطوائف والقوميات المختلفة. والمبادرة علي هذا النحو لها العديد من السوابق، ففي معظم المنعطفات التي مرت بها العملية السياسية كانت تُطرح وثائق تضع تصورا أو آخر للمصالحة الوطنية. وهنا يلفت الكاتب العراقي عبد الستار رمضان الأنظار إلي وثيقة مشابهة لمبادرة الحكيم تبلورت في عام 2008 وتم إضفاء الطابع القانوني عليها بإصدارها بموجب القرار رقم 44 ثم نشرها في الجريدة الرسمية في 24 ديسمبر من العام نفسه. هذه الوثيقة التي لم يتم تفعيلها حتي الآن تتضمن ثمانى نقاط تفصيلية تؤكد نبذ العنف في حل الخلافات السياسية ، وأهمية المشاركة المتوازنة لمختلف المواطنين بالذات في المؤسسات الأمنية والاقتصادية والخدمية، واستقلال القضاء ونزاهته ومعالجة أوضاع حقوق الإنسان .

ما الذي تغير إذن ما بين » قرار الإصلاح السياسي للمرحلة القادمة » المذيل في 2008 بتوقيع جلال طالباني رئيس الجمهورية و نائبيه وبين مبادرة » التسوية الوطنية » التي يتبناها عمار الحكيم منذ عام 2016 ؟ أي ما الذي يُوجِد الآن مساحة ما للأمل ؟ في الجوهر لا يوجد اختلاف كبير، فالوثيقتان تستهدفان إدماج المزيد من العراقيين في إطار النظام ومؤسساته، لكن الاختلاف يرتبط بالسياق الذي طُرِحت فيه الوثيقتان. فمن جهة فإنه في 2008 كان نوري المالكي رئيسا لوزراء العراق وقد تسببت سياساته الطائفية في إشعال حرائق دامية بين أبناء الوطن الواحد، الآن يوجد علي رأس الوزارة حيدر العبادي وهو صاحب رؤية سياسية منفتحة تجعله يبحث عن نقاط التلاقي لا الصراع . ومن جهة أخري ومع أن إيران عنصر رئيس من عناصر تغذية الاستقطاب المذهبي في العراق ، إلا أن ملامح التذمر الشعبي من تنامي النفوذ الإيراني أوضح في العامين الأخيرين بما لا يقاس منها في عام 2008 بما في ذلك بين العراقيين الشيعة، يكفي فقط للتذكرة أن نشير إلي الشعارات المناهضة لها التي رددها منتسبو التيار الصدري عند اقتحام المنطقة الخضراء في مايو 2016، أو إلي تلك التي رفعها سكان جنوب العراق ضدها في أبريل الماضي .وهذا يعني أن علي إيران أن تضع في اعتبارها رأي الشارع العراقي، وقد سبق أن استجابت للرفض الشعبي لسياسات نوري المالكي الطائفية فتخلت عنه ما سمح بتولي حيدر العبادي رئاسة الوزارة . يضاف إلي ما سبق أن تحديات ما بعد داعش أضخم بكثير من تحديات ما قبله ، سواء لأن داعش ليس مجرد تنظيم يُحاصر ويصًفي لكنه عقيدة فاسدة عابرة للتنظيمات وبالتالي فإن التخلص منه لا يعني نهاية الإرهاب، أو لأن التطورات في إقليم كردستان ووضع مدينة كركوك أمور تفرض التعامل معها بالجدية الواجبة ، أو سواء لأن عام 2018 هو عام الانتخابات البرلمانية وثمة محاولات لإعادة نوري المالكي للواجهة مجددا ، وهذا كله يفرض تلاقي جهود القوي المعتدلة داخل كل الأطياف السياسية والمذهبية أيضا .

هل هذا يعني أن التطورات السابقة تضمن نجاح مبادرة السيد عمار الحكيم ؟ ليس بالضرورة فهذا يتوقف أولا علي الإرادة السياسية بمعني ألا تكون المبادرة موقوتة بظرف الاستعداد للانتخابات وتُجمد بانتهائها ، ويتوقف ثانيا علي التعريف الدقيق للعناصر غير المشمولة بالمبادرة فأي بعثيون مثلا هم المستبعدون منها ؟ ثم أن المبادرة ليست موضع توافق داخلي فهناك دائما القوي التي تتعيش من الاستقطاب والتمترس خلف الشعارات الطائفية ، ورغم أن الرهان علي الأغلبية الشيعية في العراق أثبت أنه ليس رهانا رابحا بل كان ضمن عوامل أخري من أسباب ظهور تنظيم داعش، إلا أن هناك من لا يزال يُؤْمِن بمبدأ المغالبة السياسية المذهبية. لكن الأمل كبير في أن تنجح جهود الحكيم في جمع الفرقاء السياسيين حول حد أدني من المبادئ المشتركة وعزل المواقف المتطرفة ما أمكن . كما أن الجوار العربي ومصر في مقدمته عليه مسؤولية أساسية في تدعيم مبادرة التسوية الوطنية وتحويل الانفتاح السياسي والاقتصادي العربي علي العراق إلي عنصر من عناصر إعادة بناء الدولة العراقية علي أسس سليمة .

لقد كرر السيد الحكيم في اللقاءات التي أجراها بمصر أن الأولويات الخمس للتحالف الوطني في المرحلة القادمة هي «الوحدة والعروبة والسيادة والديمقراطية ودولة المواطنة»، ونحن نقول إن عراقا موحدا عربيا سيدا علي أرضه وقراره ، عراقا متنوعا ينبذ المذهبية البغيضة ويكفل المواطنة المتساوية لكل أبنائه ، هذا العراق يحمي الأمن القومي العربي وليس أمن مصر إلا جزءا منه .
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف