الجمهورية
يحيي علي
السموم الناعمة.. والضربات القاصمة
عندما تموت الضمائر.. وتتحجر القلوب.. وتجف المشاعر الإنسانية.. وتزداد النفوس الضعيفة شراهة نحو المزيد من الثراء.. ويعمي الطمع والجشع البصر والبصيرة.. يحدث ما نعاني منه الآن من احتكار السلع وزيادة الأسعار بهذه الصورة بزعم تعويم الجنيه وارتفاع سعر الدولار.. رغم أن هناك العديد من السلع لا علاقة لها بالدولار لكن هوجة رفع الأسعار.. وفيروس الجشع أصاب الجميع فرفع أسعار الفجل والجرجير كالسكر والزيت.. والدواجن واللحوم.. حتي مصانع بير السلم ضاعفت أسعار إنتاجها الرديء تحت شعار كل شيء زاد.
***
ولاشك أن غياب الرقابة علي الأسواق ضاعف من الأزمة.. وعدم تطبيق قانون الاحتكار.. شجع التجار علي ممارسة الاحتكار وتعطيش الأسواق ورفع الأسعار بلا معايير.. وحتي بعد انخفاض الدولار.. لم يتراجع سعر أي سلعة.. الكارثة التي تفوق موجة الغلاء والاحتكار ومعاناة الناس.. هو غش السلع.. وإعادة تدويرها وطباعة تواريخ حديثة علي السلع منتهية الصلاحية لتتحول إلي سموم ناعمة تتسلل إلي الأجساد.. ورغم أنه يتم كل يوم ضبط مصانع ومتاجر بها أطنان من السلع الفاسدة إلا أنها تستمر في الضلال والمتاجرة بأرواح البسطاء لأن العقوبة مجرد مصادرة السلعة وغرامة يسيرة لا تشكل أي مشكلة لمن تربح وكون الملايين علي حساب الأرواح.. وطالما أمن المجرم العقاب استسهل الجريمة.. ولو تم ونال المتاجر بقوت الشعب والأرواح العقاب المناسب ما عادوا مرة أخري إلي الغش وتسميم الأبدان.. ولو زارت لجنة من الصحة أو التموين مصانع البورجر واللانشون والسجق والكبدة والبانيه والبسطرمة وشاهدوا ما يدور في أروقة مصانع بير السلم لأدركوا أنهم يبيعون السموم في أكياس مغلفة.. يقف عليها المواطنون طوابير ويدفعون فيها دم قلبهم علي أنها قوت أسرهم بينما الحقيقة أنهم يشترون السموم بأيديهم.
***
من هنا يقع العبء الأول والدور الأكبر علي الرقابة الصحية والتموينية وجهاز ضبط الأسواق وحماية المستهلك.. ويجب أن يعاقب جهاز حماية المستهلك بنفس عقوبة التاجر الغشاش.. فلو هناك متابعة من الأجهزة علي هذه المصانع واتخاذ الإجراءات التي من شأنها تحمي المستهلك من أساليب الغش والفساد.. ما تجرأت المصانع علي تدوير السلع الفاسدة والمنتهية الصلاحية.
***
الطامة الكبري.. والكارثة الحقيقية هي غش الأدوية.. فإذا كان من الممكن إعادة تدوير الدواجن الفاسدة والبورجر واللحوم المفرومة.. وإضافة التوابل ومكسبات الطعم لها لتصبح سموماً ناعمة أو الموت البطيء.. فإن غش الأدوية.. هو السم القاتل والموت الفوري.. وغير مقبول علي الإطلاق أن تظل عبوة دواء منتهية الصلاحية علي أرفف الصيدليات أو طبع تاريخ صلاحية جديد عليها.. ثم صرفها للمرضي.. لأن المريض في أضعف حالاته يستنجد بقرص الاسبرين أو شربة دواء لتخفف آلامه فإذا كانت الجرعة غير صالحة.. فسوف تقضي قطعاً علي أنفاسه اللاهثة التي تخرج منه بالكاد.. وقطعاً.. لا يمكن أن يكون طبيباً.. أو حتي ينتمي للبشر من يغش عبوة دواء.. أو يمنح مريضاً ضعيفاً علاجاً منتهي الصلاحية ليجهز عليه بدلاً من إسعافه.
***
صحيح أن الأمانة المهنية.. والضمير والإنسانية.. هي الحكم الأول في مهنة الطب.. المهنة السامية والرسالة الإنسانية الرفيعة.. لكن العقاب الرادع هو الحل لمن ماتت ضمائرهم ونحروا إنسانيتهم وأعمي المال والطمع والجشع بصرهم وبصيرتهم.. العقاب الرادع والفوري.. الشطب والسجن بلا تسويف هو العقاب الرادع لمن يغش الدواء.. أو يبيع عبوة منتهية الصلاحية.. تغليظ العقوبة لحد الإعدام يمنع الجريمة.. وعندما وضع المشرع قطع يد السارق كان الهدف منع السرقة وليس قطع أيادي البشر.. من هنا فإن ما يحدث من غش أدوية.. واحتكار سلع.. ومتاجرة بقوت الشعب والتربح علي حساب البسطاء.. في حاجة إلي عقوبة مغلظة وفورية.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف