مدبولي عثمان
سد النهضة.. البدائل والتفاوض
يوم 10 يونية 2014 وجه دكتور مهندس أحمد عبد الخالق الشناوي الخبير الدولي في الموارد المائية وتصميمات السدود.
بالأمم المتحدة سابقا. رسالة إلي رئيس الوزراء في ذلك الوقت المهندس ابراهيم محلب. وأرفق بها دراسة علمية بعنوان "المشاكل الفنية التي تمنع إنشاء السد الإثيوبي نهائيا والحل المقترح" وكان ذلك قبل 16 يوما من أول لقاء قمة بين الرئيس عبد الفتاح ورئيس وزراء إثيوبيا علي هامش قمة الاتحاد الافريقي الذي عقد 26 يونية 2014.
وحملت الدراسة التي نقلها عضو بارز بمجلس النواب تحذيرات خطيرة من استمرار بناء سد النهضة لانه يهدد بجفاف النهر الخالد "النيل". وأوضحت أن السد مهدد بالانهيار وتسرب كامل مياه النيل الازرق والنيل الابيض الي المحيط بسبب الظاهرة پالجيولوجية التاريخية المعروفة باسم "الفالق الإفريقي الأعظم"... الذي فصل قارة إفريقيا عن الجزيرة العربية. وأنه نتج عن هذا الفالق الأعظم فوالق أخري عظيمة عمودية عليه في القرن الإفريقي أهمها فالقان.
وبدراسة صورة الأقمارپ الصناعية يتضح أن حدوث هذين الفالقين. أدي إلي حدوث فوالق ثانوية كثيفة تتصل جميعها ببعض تحت سطح الأرض تغطي معظم الهضبة الأثيوبية. مما يعني أن أي تسرب مائي من أي من هذه الفوالق الثانوية. ستتجمع لتصب في الفالق الرئيسي. و هذا ما سوف يحدث عند اكتمال بناء السد وتخزين المياه. بالاضافة إلي وجود نشاط بركاني كبير علي طول هذه الفوالق . مما يعظم من خطورة هذين الفالقين. و كونهما غير مستقرين. مما يعني فقدان الفالق الأرضي لاتزانه الاستاتيكي.
وأوصت الدراسة المفاوض المصري بأن يصر علي اعتبار هذه المنطقة هي "محمية طبيعية". ولا يجب البناء عليها وإخلال الميزان الاستاتيكي لفوالقها. وأن أضرار بناء سد النهضة ستمتد لتشمل إثيوبيا نفسها ومعظم دول حوض النيل.
ولكن مجريات الأمور كشفت أن المفاوض المصري لم يصر علي شيء ولم يتمسك بثوابته. بل إنه سلك مسلكا يتناقض مع قوة وعظمة مصر الحضارية والتاريخية. وهنا تحضرني شهادة حق لصحفي مصري وطني ومخلص. فروي لي قائلا: "علي مدي أكثر من عامين كنت شاهد عيان علي مسيرة مفاوضات شاقة جدا حول سد النهضة تم استدراجنا إليها لتكون مجرد ¢فخ¢ ننشغل به وبتفاصيله المملة بعيدا عن لب الموضوع وهو بناء السد ذاته حيث كانت إثيوبيا حريصة كل الحرص علي تضييع الوقت بأي ثمن حتي تفرض أمرا واقعا يصعب تغييره كما حدث بالفعل".
وواصل صديقي شهادته: "كان مطلوبا من المفاوض المصري أن يكون دبلوماسيا وهادئا وأعصابه في ثلاجة إلي أقصي درجة ممكنة فيما كان المفاوض الاثيوبي ينشغل بتوجيه الاتهامات الي مصر وشعبها بالاسراف في استهلاك المياه في رش الشوارع وبناء ملاعب الجولف. بينما شعب اثيوبيا يتضور جوعا وعطشا".
وبكل ألم سمعته يروي أخطر الأخطاء التي وقعت فيها القيادة المصرية . وهويقول: "الخطأ الفادح الذي وقعت فيه حكومة الرئيس المخلوع محمد مرسي عندما اذاعت علي الهواء مباشرة جلسة خاصة بسد النهضة تحدث فيها بعض الرموز المصرية عن ضرورة توجيه ضربة وقائية واعتبرها المفاوض الاثيوبي بمثابة إعلان حرب. وان علينا ان نتوب ونستغفر مليون مرة حتي تسامحنا اثيوبيا".
ويعقد صديقي بخبرته المهنية مقارنة بين مفاوضي الجانبين قائلا: "لك ان تتصور ملامح وجه المفاوض المصري وملامح وجه المفاوض الاثيوبي في كل جولة مفاوضات. فالأول شاحب هزيل والثاني يمشي علي الارض يتبختر في غرور لانه استطاع ان ينتقم من مصر وشعبها بعد زعمه أنهم يأخذون مياه النيل من إثيوبيا ¢مجانا¢ منذ آلاف السنين!!".
وفي ظل هذه الاجواء. بحسب شهادة الصديق . نجحت اثيوبيا في تحويل الموضوع من قضية استراتيجية وسياسية خطيرة تهدد حياة شعب مصر الي مجرد خلاف فني حول مساحة وارتفاع وحجم السد وكمية المياه المتدفقة قبل وبعد بنائه والجهة الفنية الدولية التي ستتولي الاشراف.
ويختتم الشاهد شهادته بقوله: مصر الآن تحت رحمة اثيوبيا التي قررت من جانب واحد فتح عدد 2 بوابة فقط لتمرير مياه النيل وهناك اكثر من 20 بوابة اخري يتم تخزين المياه أمامها.
أعود إلي دراسة الدكتور الشناوي حيث أخبرني في اتصال هاتفي الأحد الماضي أنه طوال السنوات الثلاث الماضية لم يتصل به أي مسئول صغيرا أو كبيرا لمناقشته.رغم انها تتضمن بدائل معقولة لو تم عرضها علي الجانب الاثيوبي ربما قبلها. ورغم أنه يحظي بثقة الدول الأجنبية حيث يشغل مدير مشروع السوق الأوروبية للبحث وتنمية الموارد المائية بسيناء. وكان يجب علي المسئول ان يضم الشناوي وأمثاله من الخبراء للوفد المفاوض. أو علي الاقل تشكيل لجنة من هؤلاء الخبراء المخلصين والمختصين لتكون ظهيرا للمفاوض المصري.
ويقول الشناوي إن البديل مشروع ربط النيل بنهر الكونغو لأنه يوفر 330 مليار متر مكعب مياه في العام. بالإضافة إلي توليد طاقة كهرو-مائية حوالي 34 جيجا وات. أي ما يعادل إنتاج 27 محطة نووية.