المساء
السيد العزاوى
الإسراء تكريم للرسول مازاغ البصر وما طغي!!
سوف تظل رحلة الإسراء بسيدنا رسول الله محمد صلي الله عليه وسلم من المسجد الحرام بأم القري الي المسجد الأقصي بأرض الشام تحمل في طياتها مدي تكريم رب العالمين لسيد الخلق صلي الله عليه وسلم واختصار تلك المسافة الطويلة بين المسجدين في وقت قصير أبهر أهل مكة وأثار جدالهم إذ كيف يقطع هذه المسافة في ساعات قصيرة رغم أنها تحتاج إلي زمن يستغرق شهراً في الذهاب وناهيك عن رحلة العودة؟ لم يدرك هؤلاء أن عناية الله لرسوله الكريم لا حدود لها. وهذه الرحلة جاءت تتويجا لرسول الله صلي الله عليه وسلم بعد صبر ومعاناة في ابلاغ أمر الله للعباد. تعرض للايذاء بأشد أنواع الأذي والاضطهاد لكنه صبر واحتمل ولم يدع علي أحد من اعدائه وإنما كان يرفع يديه إلي السماء قائلا : اللهم اهد قومي فإنهم لا يعلمون!!
قبل رحلة الإسراء والمعراج تعرض الرسول صلي الله عليه وسلم للأذي والاعتداء حين ذهب إلي أهل الطائف يدعوهم إلي عبادة الله وحده لا شريك له لكنهم وقفوا في طريقه ورفضوا دعوته بكل صلف وغرور ليس هذا فحسب وإنما سلطوا شباب الطائف وفتيانه فأخذوا يتناولونه بسفاهة وقاموا بقذفه بالحجارة مما اصابه بأذي وقد ضاق صدره من هذه التصرفات لكنه استمر في صبره وقوة تحمله. ورفض ما عرضه أمين وحي السماء جبريل عليه السلام بأن يطبق علي أهل مكة الجبلين المحيطين بها وجاء رده علي أمين وحي السماء ليؤكد أنه رحمة للعالمين وليس لبني قومه فقط وقال قولا سيظل خالداً مدي الدهر قال : دعهم يا أخي جبريل لعل الله يخرج من أصلابهم ذرية يعبدون الله. وجاء رد جبريل يحمل اشادة بالرسول الكريم حيث قال : صدق من سماك الرءوف الرحيم ثم تلا قول الله تعالي : "لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رءوف رحيم" انه بلا شك رحمة للناس اجمعين "وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين".
في هذه الفترة أيضا فقد الرسول صلي الله عليه وسلم اثنين من الذين كان يعتمد عليهم خلال دعوته إلي سبيل ربه بالحكمة والموعظة الحسنة والاخلاق الكريمة أول هذين الاثنين أم المؤمنين السيدة خديجة بنت خويلد رضي الله عنها. وقفت بجوار رسول الله صلي الله عليه وسلم منذ بداية رحلته في الدعوة إلي الله وكانت أول من آمن به من النساء. وكانت أقوي من الرجال في صلابتها وشهامتها وشهد لها سيد الخلق صلي الله عليه وسلم ومن بين ما قاله تتويجا لأعمال هذه السيدة الفاضلة : وقفت بجواري حين تخلي عني الناس. وواستني بمالها. ولم يبدلني الله خيراً منها من النساء اللاتي تزوجت بهن بعد ذلك حقيقة لو كانت النساء بمثل شهامة أم المؤمنين لفضلت النساء علي الرجال. اما الثاني فقد كان عمه أبوطالب الذي تولي رعاية ابن أخيه الرسول الكريم بعد وفاة جده عبدالمطلب وتصدي لكفار مكة حين جاءوا يطالبونه بالتوسط لدي ابن أخيه كي يقتصر في دعوته علي نفسه وأن يمتنع عن سب آلهتهم وتسفيه احلامهم واسلوب آبائهم الاقدمين.. وقد كان ابوطالب قويا صلبا مع ابن أخيه وذلك عندما رفض عروض كفار مكة حيث قال له : والله لن اسلمك اليهم ابداً. وظل ثابتا علي موقفه.
شاءت الأقدار أن يرحل الاثنان أم المؤمنين السيدة خديجة رضي الله عنها ثم أبوطالب عم الرسول. وقد كان حزن الرسول صلي الله عليه وسلم عليها شديداً لدرجة أنه أطلق علي العام الذي رحلا فيه بعام الحزن. وقد أراد الله سبحانه وتعالي أن يسري عن قلب الرسول الكريم صلي الله عليه وسلم لوعة هذه الأحزان فأخذه في رحلة طيبة من مقر المسجد الحرام في مكة المكرمة الي المسجد الأقصي وسجل رب العالمين ذلك في القرآن الكريم يقول الله سبحانه : "سبحان الذي أسري بعبده ليلا من المسجد الحرام إلي المسجد الأقصي الذي باركنا حوله لنريه من آياتنا إنه هو السميع البصير" [1 الاسراء] ويجدر بنا أن نوضح اين يقع المسجد الأقصي رداً علي أولئك النفر الذين يرددون أن المسجد الأقصي في مكة بأقصي الحل هناك وهذه الأقوال بعيدة عن الحقيقة التي جاءت بالآية الكريمة. فالمسجد الأقصي يعني بيت المقدس وهو ايليا ومعني ايليا بيت الله. وباركنا حوله يعني الشام وكلمة الشام بالسريانية الطيب سميت بذلك لطيبها وخصبها. وبيت المقدس بدأ بناءه نبي الله داود واستكمله ابنه سليمان عليهما السلام وفي الصحيح أنه وضع للناس بعد البيت الحرام حيث كانوا يتجهون اليه في صلاتهم كما كان المسلمون في البداية يفعلون. وبذلك اتضح انه لا صحة لمن زعم أن المسجد الأقصي في زمام مكة المكرمة.
هذه الرحلة الطيبة المباركة كانت ليلة السابع والعشرين من شهر رجب. وتظل مناسبة يتذكرها المسلمون علي مدي التاريخ ويستعرضون مدي تكريم الله لنبيه صلي الله عليه وسلم وفيما ذكره الإمام احمد عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن رسول الله صلي الله عليه وسلم قال : اتيت بالبراق وهو دابة ابيض. فوق الحمار ودون البغل يضع حافره عند منتهي طرفه فركبته فسار بي حتي أتيت بيت المقدس فربطت الدابة بالحلقة التي يربط فيها الأنبياء. ثم دخلت فصليت فيه ركعتين ثم اتاني جبريل بإناء فيه خمر وإناء فيه لبن. فاخترت اللبن فقال جبريل : أصبت بالفطرة ثم كان الأنبياء في انتظاره حيث صلي بهم ثم كانت رحلة المعراج وخلالها شاهد الرسول من آيات ربه الكبري. ما كذب الفؤاد ما رأي "ومازاغ البصر وما طغي" وقد تم فرض الصلاة علي أمة محمد صلي الله عليه وسلم وهي خمس صلوات في اليوم والليلة وخمسين في الأجر والثواب بفضل الله تعالي حقيقة انها لمناسبة طيبة حين نحيي هذه الذكري باستعراض تفاصيل هذه الرحلة وانها جاءت تكريما لرسول الله صلي الله عليه وسلم وهكذا يكون جزاء الصبر تكريم الله للصابرين.. نسأل أن يلهمنا التوفيق والسداد في كل خطواتنا!!
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف