الحدودتة هي "النطفة" التي يتخلق بها العمل الابداعي.
اذكر حين عرضت للمرة الأولي في القاهرة مسرحية بيكيت "لعبة النهاية" ان اعجاب النقاد تركز علي خلوها من الحدوتة وكان ذلك - في تقديرهم - هو "الجديد في الرواية الجديدة" كانت القاهرة تعاني - كعادتها - غربة حقيقية عن الواقع الثقافي المتجدد في الحياة الأوربية.
كانت القلة تسافر وتشاهد وتقرأ والكثرة تنتظر ما يفد متأخرا وتقف منه في كل الأحوال موقف الاعجاب ولعلنا نذكر ما فعله الكاتب الساخر الراحل أحمد رجب حين طلب آراء عدد من كبار مثقفينا في مسرحية من تأليفه علي انها للسويسري دورينمات.. وتباري مثقفونا في ابراز الجوانب المتفوقة في المسرحية المزعومة وكتب الحكيم يا طالع الشجرة ومصير صرصار تأكيدا لريادته المتطورة وظواهر أخري كثيرة.
أقول: حين عرضت لعبة النهاية وتركز اعجاب النقاد علي خلوها من الحدوتة كان لأستاذنا نجيب محفوظ رأي آخر ونشرت معه حوارا في "المساء" ملخصه عن العمل الفني بلا حكاية. بلا حدوتة. يصعب - مهما يتسم بالجدة - أن يسمي عملا فنيا لأنه حينئذ يفتقد أهم مقوماته واستطاع - في الحوار - أن يروي الحدوتة الدعامة التي استند إليها بناء المسرحية.
الحكاية - كما يقول فورستر - هي العمود الفقري ويقول هيربرت جولد: ان كاتب القصة يجب ان تكون له بالفعل قصة يحكيها فلا يقتصر الأمر علي مجرد نثر جميل يكتبه وقيل ان الرواية فن درامي يقوم علي أساس الحدث وكما يقول تشيكوف فإن الكاتب لا يكتب قصة قصيرة إلا عندما يريد التعبير عن فكرة حتي آلان روب جرييه يؤكد ان الروائي الحقيقي هو الذي يعرف كيف يقص الحكاية وفي مقدمة يا طالع الشجرة - ذات الشكل السوريالي - كتب الحكيم المسرحية لابد ان تحمل معني ولا يكفي فيها المعني الداخل في ذات تشكيلها ربما استطاع الشعر - خصوصا السوريالي والدادي - ان يحمل معني وجوده في ذات صياغته لكن المسرحية وكذلك القصة لابد أن تقول شيئا.
الحدوتة إذن هي الدعامة الأولي في بناء أي عمل فني ثم تأتي بقية الدعامات وفي مقدمتها محاولة الافادة من العناصر والمقومات في وسائل الفنون الأخري كالفلاش باك والتقطيع في السينما والهارموني في الموسيقا والتبقيع في الفن التشكيلي والحوار في المسرحية.. الخ.
وعلي حد تعبير هنري جيمس فإن الفكرة والشكل هما الإبرة والخيط ولم اسمع بعد - والكلام لهنري جيمس - عن نقابة للخياطين أوصت باستعمال الخيط دون الإبرة.
كانت الحدوتة. الحكاية. الفكرة. التيمة. الحدث - سمها ما شئت - هي الباعث الحقيقي لأن تتحول الأسوار في ذهني - قبل كتابتها بأعوام - إلي أحداث ومواقف وشخصيات ثم تتخلق في اشكال هلامية عدة قبل أن تأخذ - في طريقها إلي المطبعة - سماتها النهائية.