المفهوم من إعلان حالة الطوارئ أن تكون وسيلة لمواجهة الإرهاب والتضييق علي الإرهابيين وتوفير سلطات أوسع للأجهزة الأمنية في مراقبة وتتبع أنشطة هؤلاء المجرمين والمشتبه فيهم من المحرضين علي العنف ودعاة التمييز والتخريب العقلي لتجفيف منابع التمويل المادي والفكري الداعم لهؤلاء وصولاً لحماية المجتمع من جرائمهم قبل وقوعها.
الطوارئ بهذا المعني وضع استثنائي استلزمته ظروف طارئة سوف تزول وتعود الحياة إلي طبيعتها.. هي دواء مر سيكون علينا أن نتجرعه لفترة استثنائية حتي نتعافي ونعود إلي أوضاعنا العادية.. لكن تهليل حزب أعداء الحرية للطوارئ وابتهاجهم به أعطي مفهوماً آخر لهذا الدواء المر وكأنه كان مطلوباً لذاته.. أو كأنه غاية وليس وسيلة.
لم تكد تعلن حالة الطوارئ بعد تفجير كنيستي طنطا والإسكندرية حتي انطلق حزب أعداء الحرية يهلل ويهدد ويتوعد بأنه سيتم من الآن مراقبة الصحافة والإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي علي شبكة الإنترنت وأننا أصبحنا نعيش "شرعية الطوارئ".
الغريب في الأمر أن يصدر هذا الابتهاج بالطوارئ من البرلمان "مجلس النواب" كما لو كان إعلان الطوارئ في حد ذاته فوزاً مؤزراً وليس دواء مراً.. مع العلم بأن مجلس النواب من المفترض أن يكون أكثر مؤسسات الدولة حرصاً علي القانون الطبيعي والدستور والحريات العامة.. وأولها بالطبع حرية التعبير والصحافة وتداول المعلومات لم يكن مفهوماً ذلك الابتهاج بالطوارئ إلا إذا كانت هناك رغبة مسبقة وجاهزة لدي حزب أعداء الحرية لانتهاز الفرصة ووضع الطوارئ في علاقة تضاد وتناقض مباشرة مع الحريات العامة من أجل فرض رقابة علي الصحافة والإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي.. والتضييق علي الناس جميعاً باسم الطوارئ.. وليس الإرهابيين والمحرضين والممولين والمشبوهين فقط.. وكبت الآراء بدعوي أننا في حالة حرب.. وإزالة الفوارق بين الإرهاب وحرية الرأي بحيث يتحول صاحب الرأي المخالف إلي مشروع إرهابي محتمل.
وحين يتحدث حزب أعداء الحرية عن "شرعية الطوارئ" باعتبارها تجاوزاً أو قفزاً فوق الشرعية الدستورية لا يدركون أن الدستور وضع ضوابط صارمة وواضحة وواجبة الاتباع بخصوص حالة الطوارئ نظراً للحساسية الشديدة التي رسخها نظام مبارك الذي أصر علي أن يخضع الشعب لها علي مدي 30 عاماً متصلة.. لذلك حرص الدستور علي أن يحفظ التوازن بين الطوارئ وضمانات الحرية والعودة السريعة للظروف الطبيعية.. فأوجب موافقة مجلس النواب علي إعلان الطوارئ.. وأن تكون المدة محددة.. ووضع لها سقفاً زمنياً لا يتجاوز ثلاثة شهور.. ثم فرض ألا تمتد إلا مرة واحدة مماثلة بعد موافقة ثلثي المجلس "المادة 154".
الطوارئ إذن ــ وكما يعرفها العالم أجمع ــ حالة استثنائية لها أهداف محددة.. ولا ينبغي أن تشل حركة المجتمع أو تقيد مؤسساته أو أفراده أو إعلامه أو صحافته أو يستخدم فزاعة لتخويف الناس من النقد وكبت أصواتهم وحرياتهم.. ولكن تنصرف فقط إلي المهمة الأصلية وهي مكافحة الإرهاب وتجفيف منابعه.. المادية والفكرية.. وهذا يدفعنا إلي التحذير من المساس بالحريات وحقوق الإنسان.
بلد بلا حريات هو بلد بلا استثمارات وبلا سياحة وبلا إبداع.. هو بلد الركود والجمود والفقر والخوف والفساد.. فرنسا أعلنت الطوارئ لكنها لم تصادر الحرية.