الأهرام
أشرف محمود
الخطاب الدينى بين فهم الأزهر ومفاهيم المدَّعين
لم تتكرر جملة في وسائل الاعلام بتنوعها مثلما تكررت في الفترة الاخيرة جملة تجديد الخطاب الديني ، غير أن من رددوها تفاوتت مفاهيمهم لمضمونها ، وتعارضت مصالحهم فتفرغوا لتوجيه الاتهامات لمؤسسة الازهر وشيخها الجليل ، ولم يتوقف احد امام مايطالب به من تجديد ليحدد لنا ماهيته او الآلية التي يتم بها لضمان تحقيقه بالصورة المرجوة ، والغريب أن اطلاق الجملة على عواهنها كان يستتبعه عند الكثيرين اشهار اصابع الاتهام مرتين في وجه الازهر ، الاولى بتهمة العجز عن التجديد والثانية بالوقوف حجر عثرة في وجهه، ودخل على خط الازمة هواة الشهرة والصيد في الماء العكر ممن توهموا ان خلافا حادا نشب بين مؤسسة الرئاسة والازهر وشيخه ، فأرادوا أن يتوددوا للاولى ، وراحوا يتحدثون عن الثانية بما لايليق بمكانتها الدينية والوطنية عبر التاريخ ، وساء بعضهم الادب في حق المؤسسة والامام الاكبر، وكذلك شيخ الأزهر مستقل غير قابل للعزل ، ومعلوم ان هدف الداعين لتعديل المادة اقالة الدكتور الطيب ، الذي اتهموه صراحة بانه يقف في وجه التجديد ، واستندوا الى انه لم يكفر داعش ، وكأن تفكيرها ومن على شاكلتها من الجماعات المتطرفة سيقضي عليها واخواتها من جماعات الشيطان ، وتناسى هؤلاء ان الازهر اكد غير مرة أن هذه الجماعات ارهابية ووجب دحرها ، اما مسألة التكفير فهي امر لايقره الازهر لمن يؤمن بالتوحيد ،

غير أن مايدعو للاسف ان التعامل مع تجديد الخطاب الديني يأتي في الغالب على لسان غير ذوي الاختصاص ، من شاكلة الذي تفتح له الشاشات لينفث سمومه ضد الازهر والسلف الصالح ويسىء للامامين البخاري ومسلم ، ممن تحملوا عبء جمع احاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولم تتح ذات المساحة الاعلامية لعلماء الازهر ليوضحوا للناس صحيح الدين ، حتى اننا في فترة سابقة كانت البرامج الدينية حكرا على غير المتخصصين في علوم الدين ، وبنظرة سريعة لاسماء غالبية من يقدمون في وسائل الاعلام بلقب الداعية الاسلامي ستجدهم من غير خريجي الازهر ، بينما يهمش اصحاب العلم واهل الفقه الذين افنوا عمرهم في تلقى علومه ، كما ان وسائل الاعلام هذه التي اعتبرها المتهم الرئيسي في الازمة ، لا تعير مايصدر عن الازهر وجامعته العريقة أي اهتمام ، والا كانت توقفت امام مؤتمر نظمته كلية الدراسات الاسلامية والعربية للبنين في جامعة الازهر ، تناول تجديد الخطاب الديني بين دقة الفهم وتصحيح المفاهيم ، وهو عنوان كاف لجذب الاهتمام والتفريق بين الغث والسمين ،

وللاسف لم يتوقف أحد بالاشارة والمناقشة لتوصياته التي اراها محاولة جادة لرسم خريطة طريق لتجديد الخطاب الدينى فعلا لا قولا ، إذ اكدت التوصيات على أن التجديد لايعني التجرد عن أصول الدين وثوابته وانما البحث في أدلته المعتبرة ومقاصده العامة واستنباط مايتفق منها ومتطلبات العصر. واشارت التوصيات أن للتجديد أصلا في القرآن الكريم ، فلا يخفى على أحد أن الخطاب القرآني تغير من النداء من «يا أيها الناس» في العهد المكي إلى «يا أيها الذين آمنوا» في العهد المدني، وكذلك في السنة النبوية المطهرة في أحاديث كثيرة ومواقف متعددة تناولت التجديد من أهمها الحديث الصحيح الذي رواه الصحابي الجليل أبو هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «إنَّ الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يجدد لها دينها»، وتوقفت التوصيات امام ضوابط التجديد وأسسه التي يقوم عليها، ومن أهمها التخصص وامتلاك أدوات استيعاب اللغة العربية وقواعدها وأسرارها وكيفية التعامل مع الأدلة الشرعية ومع التراث الخالد واحترام العلماء والالتزام بآداب الخلاف والموضوعية في المناقشة، وطالبت التوصيات العلماء بالقيام بواجبهم نحو تحذير الناس من القراءات المنحرفة التي يقوم بها بعض أدعياء الثقافة وما يبني عليها من فهم خاطئ للنصوص الشرعية ومقاصدها،على أن يراعي العلماء طبيعة المتلقى للخطاب الديني زمانًا ومكانًا وثقافة ونوعًا ، هذه التوصيات لم تجد منبرا من منابر الإعلام يتبناها ليسهم في التجديد المنشود دون توجيه سهام النقد واساءة الادب للازهر الذي لاينكر دوره في نشر الفكر الوسطي للاسلام الا جاحد ، كما ان دوره الوطني عبر تاريخ النضال المصري يشهد له ،

ويكفي ان أمير الشعراء أحمد شوقي خصه بقصيدة تبرز مكانته استهلها بقوله: قمْ في فم الدنيا وحيِّ الأزْهرا، وانثر على سمع الزمان الجوْهرا ، وَاذكرْهُ بعْد المسجديْن معظما لمساجد الله الثلاثة مكبرا ، وبعد نحو قرن من قصيدة شوقي ، خصه الدكتور اسامة الازهري بقصيدة عنوانها الازهر يتحدث عن نفسه ، جاء في ختامها على لسان الازهر : ومناجمي ملآى وبحري لم يزل ، يروي بفضل الواهب المنان ، ولسوف أبقى شامخا والعلم في صحني منير والشيوخ لساني ، ارفعوا ايديكم عن الازهر وشيخه ، ليبقى كما قدر الله منارة للاسلام .
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف