الوطن
رفعت السعيد
د. زقزوق وأزمة الفكر الإسلامى (3-4)
الجهاد.. الخلافة.. البنوك

ويأتى بنا الدكتور محمود حمدى زقزوق فى كتابه الرائع «تأملات فى أزمة الفكر الإسلامى المعاصر، نظرة نقدية» إلى موضوعين يلحان علينا بل على العالم أجمع، وقد أسىء فهمهما واستخدمهما المتأسلمون على الوجه الخاطئ. وهما الجهاد ثم الخلافة وارتباطهما معا الآن يكون بأن القضية الأولى تقتاد أصحابها إلى الثانية. ومنطق الدكتور زقزوق فى مناقشة هذا الأمر هو «أننا فى عصرنا الراهن نجد من الضرورى أن تشتمل قائمة أولوياتنا فى مجال الدراسات الفقهية على الاهتمام بفقه الواقع وفقه الأولويات، ونرى أنه قد أصبح من الضرورى إعادة بحث قضيتين أصبحتا اليوم على جانب كبير من الأهمية وهما قضية الجهاد وقضية الخلافة. وقد أثير لغط كثير فى الفترة الأخيرة حول قضية الجهاد وتكاثرت فتاوى تحض على الجهاد لا من أجل تخليص المسجد الأقصى من يد الصهاينة الذين يهددون بتهويد مدينة القدس والاستيلاء على كل شبر فيها وإنما تنصب الدعوة إلى الجهاد ضد فريق أو جيش من المسلمين بسبب خلافات سياسية لا صلة لها بجوهر الدين». ثم يقول «ومن المضحكات المبكيات أنه قد وصل الأمر ببعض أصحاب الفتاوى إلى الدعوة إلى جهاد النكاح، وذهبت فتيات كثيرات من بعض البلاد العربية بدافع من الفقر إلى سوريا استجابة لهذه الفتوى لإشباع غرائز (المجاهدين) هناك وعُدن إلى بلادهن بعد أن حملن سفاحاً بحجة الجهاد. وامتلأت الصحف بهذه الفضائح ووصل الأمر إلى أن نوقش فى مجلس الأمن الدولى بين سفيرى سوريا وقطر فى الجلسة المفتوحة لمناقشة ملف المرأة فى النزاعات المسلحة». ويتساءل د.زقزوق فى مرارة مريرة «هل هذا هو الإسلام الذى يراد تقديمه إلى عالمنا المعاصر؟ لقد أكد القرآن الكريم الكرامة لكل أبناء وبنات آدم وحرم إراقة دم أى مسلم يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، وجعل حماية النفس البشرية وصيانة الأعراض على رأس مقاصد الشريعة». (ص41) ويرتبط هذا الجهاد المزعوم بالدعوة إلى وهم إقامة الخلافة. وهنا يقول «زقزوق»: «إذا كان الهدف من الخلافة بصفة عامة هو العمل على وحدة المسلمين وتآلفهم وتعاونهم فيما بينهم لتحقيق العزة والمنعة والأمان تحت مظلة إسلامية واحدة فإن السؤال الذى يثور هو هل تحقيق هذا الهدف لا يكون إلا من خلال الصيغة التقليدية المتوارثة منذ خلافة أبى بكر الصديق حتى سقوطها؟ أم أن هناك فى هذا الصدد مساحة من الحرية تتيح لنا البحث عن صيغة أخرى بديلة يمكن أن تتوافق عليها إرادة الشعوب الإسلامية فى ضوء متغيرات العصر؟» (ص42)، ثم يجيب عن السؤال قائلاً «إن الاجابة الصحيحة تتطلب إجراء دراسة علمية موضوعية عن الخلافة فى مراحلها المختلفة تعتمد على ثوابت الإسلام وحقائق التاريخ ثم متغيرات العصر. فنحن لا نعيش وحدنا فى هذا العالم الشديد التعقيد على جميع المستويات. ويقول إن من المعلوم أن الخلافة الراشدة قد تحققت فى عهد الخلفاء الراشدين الأربعة ويضاف إليهم عمر بن عبدالعزيز، ثم أصبحت بعد ذلك ملكاً عضوضاً. والأمر اللافت للنظر أن ثلاثة من الخلفاء الراشدين عمر وعثمان وعلى قد اغتيلوا ظلماً وعدواناً، وهذا يضع علامة استفهام خاصة أن الثلاثة قد اشتُهروا بالصلاح والتقوى والعدل. وإذا عرفنا أن قاتل عمر هو أبو لؤلؤة المجوسى وأن البعض يتهم بعضاً من الشيعة بتحريضه لأن عمراً فى زعمهم قد اغتصب الخلافة من على فإننا نسأل هل كان اغتيال عمر فردياً أم أن أبا لؤلؤة كان مجرد أداة فى يد آخرين؟» (ص42).. ويمضى «زقزوق» متحدثاً عن إمكانيات أخرى أكثر جدية وصلاحية وسلمية قائلاً «إنه لا بأس من دراسة الصيغ الجديدة التى توصلت إليها أمم أخرى فى عصرنا الحاضر والتعرف على إيجابياتها وسلبياتها ومدى تحقيقها للهدف المنشود ومدى ملاءمتها فى خطوطها العريضة للتطبيق العملى فى العالم الإسلامى»، ويمضى د.زقزوق قائلاً «ويحضرنى فى هذا المقام تجربة الاتحاد الأوروبى الذى استطاع رغم عمره القصير أن يضم تحت مظلته ثمانى وعشرين دولة أوروبية حتى الآن وهى دول مختلفة القوميات والأعراق واللغات، وأن ينجح فى إلغاء الحواجز بين هذه الدول وأصبح المواطنون فيها يتمتعون بحرية التنقل والعمل والتجارة والاستثمار فى دول الاتحاد التى أصبح لها عملة واحدة».

ويأتى د.زقزوق بعد ذلك إلى أمر لم يزل يراوح مكانه ويثير كثيراً من المشكلات والادعاءات وأيضاً التحايلات وهو التعامل مع البنوك وما يستتبع ذلك من الحصول على الفائدة. واختلفت المجامع الفقهية، فهناك فريق يميل إلى التحريم أخذاً بالأحوط وهناك فريق قطع شوطاً فى هذا المجال يتجه إلى الجواز والإباحة. والمطلوب هو إعادة الدراسة مرة أخرى مع مراعاة متغيرات العصر دون التفريط فى ثوابت الإسلام. مدركين أن الشريعة هدفها التيسير على الناس ورفع الحرج عنهم، وعلى هذا الأساس تحسم المسألة.

ثم يقول «وقد اجتهد المرحوم الشيخ شلتوت ورأى أن هذه معاملات لم يعرفها السابقون من الفقهاء ومن هنا فإنها بحاجة إلى اجتهاد جديد وأفتى برأيه فى هذا الصدد فى كتابه (الفتاوى). ولم يتراجع عن فتواه كما زعم البعض. كما اجتهد المرحوم الشيخ طنطاوى فى هذه المسألة وعقد من أجل المزيد من البحث والاستقصاء حولها اجتماعات استمرت شهوراً وانتهى من هذا البحث إلى رأى واضح يتلاءم مع روح العصر والمصلحة»، وفوق هذا وذاك فإن د.زقزوق يرى أن يكون الفقه المعاصر والمجدد والمجتهد سباقاً إلى دراسة قضايا تكاد تفرض نفسها علينا مثل قضايا الجينوم والخلايا الجذعية، وكذلك الاستنساخ الجزئى والكلى فى عالم الحيوان ولا يستبعد من أن يأتى ذلك إلى الإنسان وهناك مسألة تأجير الأرحام.. وغيرها.

ونمضى قُدماً لنتعلم على يدى الدكتور محمود زقزوق.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف