الوطن
مروى ياسين
زوجى.. وحقيبة الأحلام
كثيراً ما ألجأ إليه، ليمنحنى الرأى الصائب فى أمور شتى، فمنذ أن تزوجنا، صارت آراؤه وأحكامه نافذة، ربما لكونى مقتنعة بأنه يجيد التصرف فى كل شىء، لدرجة أننى صرت لا أفكر فيما سيحدث لو تركته يتصرف فى مشكلة ما تواجهنى، إلا فيما يخص المشاكل «الفنية»، التى كثيراً ما واجهتنى، وكثيراً ما تصدى لها هو، لأجدنى بعدها أفكر مائة مرة قبل أن أخبره بأى مشكلة تواجهنى فى البيت.تبدأ الحكاية منذ الأيام الأولى فى الزواج، كان زوجى يحتفظ بحقيبة مخصصة للأدوات والفنيات التى لا أعرفها «مفك، مفك اختبار، بنسة، مفتاح إنجليزى، مفتاح مش إنجليزى، لاصق، عازل كهرباء» وغيرها من الأدوات التى تعجز ذاكرتى عن تذكر اسمها، لكن تلك الحقيبة تحمل معزّة خاصة فى قلب زوجى، إذ يتذكر المكان الذى اشترى منه تلك المفكات، وهذه الأدوات التى يصعب وجودها فى أى مكان آخر، أستمع بحرص لحديثه، فتلك الأدوات صارت رفيقة كل كارثة تحدث فى بيتنا الصغير.

أتذكر جيداً أننا حين تزوجنا قبل خمس سنوات من الآن، لم نكن قد أرسلنا للشركة المسئولة عن تركيب الغسالات لتشغيل الغسالة وقتها، ورغم التحذير المرفق بأوراقها، لكن زوجى أصر على أن يقوم هو بتركيبها، مؤكداً بساطة الأمر وتهويل الشركة فى مسائل تبدو عادية من وجهة نظره، استسلمت لرأيه وتركته لتركيب الغسالة بعدما أحضرت له حقيبة المقتنيات «الفنية» عالية الجودة، بالإضافة إلى كوب من الشاى «المظبوط»، استمر زوجى فى تركيبها بضع ساعات، وانتهى الحال بتأكيده أن الغسالة جاهزة للتشغيل، بالفعل وضعت فيها الملابس وبدأت خطوات التشغيل حسب كتالوج الاستخدام الذى قمت بمذاكرته جيداً أثناء انشغاله بعملية التركيب، مرّت قرابة ساعة والغسالة تعمل دون أدنى مشكلة، ويحدثنى هو عن بساطة الأمر، إلى أن فوجئنا بصوت ارتطام فظيع يرج أركان البيت، وصوت الغسالة الهادئ يتحول إلى نعير يصعب تحمله، بسرعة هرولنا نحو الغسالة لنجدها تتخبط بين جدران الحمام، يحاول زوجى السيطرة عليها بكل قوته، حتى تمكنت أنا من فصل التيار الكهربى عن البيت كله بعدما فقدنا السيطرة على الوضع. لم يشعر زوجى بعدها بتأنيب الضمير، خاصة حينما أكد الفنى المتخصص أن التركيب لا بد أن يتم تحت إشراف الشركة لتلافى الوقوع فى تلك المشكلات، وأن محاولاته السابقة كادت تخرج الغسالة من الضمان، لأننا خالفنا الشروط المدونة فى أوراقها، بخلاف ما سببته هذه المحاولة من خسائر تمكنّا من تعويضها لاحقاً.

لم يتوقف زوجى عن محاولاته المتكررة فيما سَمّاه «إصلاح»، إذ تعرضت النجفة المعلقة فى «الريسبشن» إلى مشكلة فنية، ليقرر اللجوء إلى حقيبته، رافضاً السماع لتوسلاتى المتكررة بالاستعانة بكهربائى متخصص، مؤكداً أن الأمر لا يستحق كل ذلك، لتبدأ ورشة الإصلاحات التى يصبح فيها زوجى كهربائياً متخصصاً، وأتحول أنا بالقوة الجبرية إلى «الواد بلية»: «ناولينى مفك، لا بنسة، لا عازل»، ينتهى من مهمته الدقيقة ويعطينى الضوء الأخضر لتشغيل مفتاح النجفة، لتحدث فرقعة غير مسبوقة يعقبها قطع التيار الكهربى عن الشقة بأكملها. لا يقف زوجى عاجزاً أمام تلك المؤامرة، فيحاول التفتيش فى لوحة مفاتيح الكهرباء الرئيسية بحثاً عن السبب، متجاهلاً النتيجة التى وصلنا إليها. يظل يبحث عن السبب حتى يفقد صبره ويضطر صاغراً للجوء إلى الكهربائى لإنقاذ ما يمكن إنقاذه.

يظل زوجى مؤمناً بمبدئه رغم كل الإخفاقات، ما دام قد نجح فى مهمات أخرى أخفّ وطأة عن غيرها، ليجعله متحمساً لكل أزمة تواجهنى، فقبل أن يعرف رأس المشكلة يتحسس حقيبته، باحثاً عن أدواته، ليبدأ جولته المعتادة فى تعقب الأعطال والتلفيات.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف