المساء
محمد جبريل
سرقة شط الإسكندرية
في ثلاثينيات القرن الماضي أنشأ إسماعيل صدقي كورنيش الإسكندرية. من رأس التين إلي المنتزه. تبدلت أحوال الشاطئ ذي الستة والعشرين كيلو مترا. لم تعد الأمواج - في أيام النوات - تكتسح ما يصادفها من عشش وأكواخ علي امتداد الشاطئ. اقتصرت بيوت الشاطئ علي البنايات العالية. شكلت مع الكورنيش الحجري الطويل المطل علي البحر. والمقاعد الرخامية المواجهة للأفق. وأشجار النخيل الملكي في جانبي الطريق. مظهرا جميلا. استحقت به المدينة صفة عروس البحر المتوسط. غني لها محمد قنديل "بين شطين وميه.. عشقتكم عينيه". وغنت فيروز "شط اسكندرية". وعلي الحجار "يا اسكندراني". وعرف الساحل سباق سباحة المسافات الطويلة. وسباق الزوارق بين المينا الشرقية والأنفوشي. يهتف أبناء السيالة: قفة ملح وقفة طين.. علي دماغ راس التين. يرد أبناء رأس التين بالهتاف: سيالة يا سيالة.. ياللي مافيكي رجالة. يتقبل الجميع الدعابات الثقيلة. لأنها تصدر عن نفوس محبة. ورغبة في الهزار!. وصار من المشاهد المألوفة وقوف هوة الصيد علي المصدات الأسمنتية. يدلون بسناراتهم في المياه. ينتظرون جذبة الصيد. وعمليات الصيد بالطراحة والجرافة وصيد المياس أوقات العصاري.
حين بدأ إنشاء الكبائن اقتصرت - في البداية - علي الشواطئ المرتفعة. بحيث لا تعلو علي الطريق. فيسهل علي المارة رؤية البحر حتي نهاية الأفق. ثم علت الكبائن طابقا ثانيا. وثالثا. حتي منعت رؤية البحر. وتقبل أبناء الإسكندرية إنشاء الكازينوهات. باعتبارها وسيلة لجذب المصيفين. لكن القضم - بمعناه الحقيقي - تمثل في البنايات التابعة لنقابات العاملين والنقابات المهنية والأندية التي كأنها أنشئت لتلتهم الشاطئ.
الراحل عبدالسلام المحجوب أوقف تفشي الظاهرة المعيبة. أتاح لأهالي المدينة. ولزوارها. أن يطلوا علي البحر من أماكن متقاربة. لكنه - لأسباب رحلت معه - أعاد الظاهرة بكل قسوتها. تقاربت البنايات إلي حد فصل البحر عن الشاطئ. وللأسف فقد تجاهل تعاقب المحافظين سد الثغرات بما يكاد يحيل الشاطئ إلي جدار أسمنتي.
أنت الآن تمشي علي الرصيف. تترك للخيال تصور ما وراء صف البنايات المتلاصقة. القلة تتمتع برؤية البحر. واللعب علي رماله. والسباحة في أمواجه. بينما تقتنع الكثرة بتخيل ما وراء الحوائط.
الشواطئ في كل الدنيا متاحة لكل الناس. لا تقتصر الإفادة منها علي "الواصلين". إنما هي حق للجميع.
عزيزي الدكتور محمد سلطان: رفقا بمن لا يتمتعون بعضوية الهيئات والنقابات التي عزلت بناياتها البحر عن المدينة. فصار الساحل حتي الأفق - بأنانيتهم المسرفة - ملكا لهم!
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف