لا تحدثني عن نظرية المؤامرة.. ولا ترفع عقيرتك صارخا من المتآمرين.. في لعبة الأمم الجميع متآمرون من أجل مصالحهم.. ومن لا يتآمر يصبح فريسة لمن يتآمر عليه.. ومن لا يستذئب تأكله الذئاب.. لعبة الأمم مثل لعبة الشطرنج.. الماهر فيها من يدبر ويرسم الخطط ليس لنقلة واحدة وإنما لنقلات متتابعات تنتهي بسلب عناصر القوة من الخصم.. واستغلال نقاط ضعفه وغفلته من أجل السيطرة عليه وشل حركته حتي يسلم بالهزيمة.
في لعبة الأمم أنت حيث تضع نفسك.. إن أردت أن تكون رقما كاملا فلابد أن تمتلك عناصر القوة.. المال والاقتصاد والاستثمار والديمقراطية والعلم والجيش والأمن والاستقرار.. العالم لا يحترم إلا الأقوياء.. أما الضعيف فلا يرحمه أحد.. يجاملونه بكلمات معسولة لكنهم في دواخلهم يوقنون أنه ضعيف لا حول له ولا قوة.. وليس له مكان بين الأقوياء.
ولكي تكون واعيا بعالمك لابد أن تعرف نفسك جيدا.. تعرف مواطن قوتك ومواطن ضعفك.. تعرف أن من يعطيك شيئا لن يعطيك مجانا.. فكر جيدا في المقابل.. فكر فيما ستعطيه أنت الآخر.. العالم لم ينشئ بعد مؤسسات خيرية تعطي بدون مقابل ولوجه الله.
فكر جيدا في نفسك.. العيب ليس في أن العالم يتآمر عليك.. العيب في قابليتك أنت لخطط التآمر.. وفي استعدادك لتمرير هذه الخطط.. المتآمرون سيجدون دائما تناقضات يلعبون عليها.. سوف يستخدمون الدين.. هذا مسلم وهذا مسيحي وهذا أزيدي.. فإذا لم يكن الدين فالمذهب.. هذا سني وهذا شيعي.. هذا علوي وهذا حوثي.. وإذا لم يكن الدين والمذهب فالعرق.. هذا عربي وهذا كردي وهذا فارسي وهذا مجوسي أو آشوري.. دائما سيكون في أيديهم شيء يفرقنا.. ودائما سنستجيب لدعوات الفرقة لأننا - للأسف لا نملك الوعي.
يقول المفكر الجزائري الشهير مالك بن نبي إن المشكلة ليست في الاستعمار وإنما في قابليتنا نحن للاستعمار.. نحن جاهزون ومستعدون لأن تستعمرنا الدول القوية.. ولو لم تستعمرنا لاستدعيناها نحن.. ولرجوناها نحن.. لكي تستعمرنا وتضعنا تحت جناحها.
ما الذي فعل بنا هذا.. ما الذي وضعنا في هذا الوضع وجعلنا أمثولة بين الأمم؟.. كنا أقوياء فضعفنا.. وكنا أغنياء فافتقرنا.. وكنا رواد الحضارة الإنسانية فأصبحنا تابعين في أواخر الصفوف.
سوف نختلف كثيرا في الإجابة علي هذا السؤال.. كل منا يري الإجابة من زاويته.. لكننا لن نختلف علي أن واقعنا الأليم بعيد جدا جدا عن أمانينا وطموحاتنا.. وأننا - كأفراد - نستحق أفضل مما نحن فيه.. ونستطيع - كأفراد - أن نصنع واقعا أفضل.. بدليل أن من يخرج منا للعمل بالخارج.. ويوضع في بيئة غير البيئة ونظام غير النظام ينجح ويتفوق ويحقق نفسه ويشار إليه بالبنان.
المشكلة إذن في السيستم.. في النظام العام.. وبما أننا نحن الذين صنعنا هذا النظام ولم يهبط علينا من السماء.. فإننا مطالبون بإصلاحه وتحسينه ليكون أكثر كفاءة وقدرة علي تلبية احتياجاتنا وطموحاتنا.. لابد من إعادة النظر في منظومتنا الأخلاقية والقيمية والعلمية وعاداتنا وتقاليدنا لبناء نظام آخر يناسب العصر الذي نعيشه.