منذ أن وقع الاعتداء علي كنيسة مارجرجس في طنطا والكنيسة المرقسية في الإسكندرية، لم يتوقف الهجوم علي الأزهر وشيخه، وكأن الشيخ هو الذي فجر الكنيستين. يتهم المهاجمون الأزهر بأنه المسئول عن تخريج المتشددين، وهذا اتهام يحتاج إلي مناقشة موضوعية. صحيح أن بعض خريجي الأزهر يؤمنون بالفكر المتشدد، لكن هل بقية الجامعات والمعاهد والمدارس لم تخرج متشددين؟ هل كان الإرهابيان اللذان فجرا الكنيستين أزهريين؟ هل قيادات الإخوان من أمثال مرسي وبديع والشاطر والبرنس وغيرهم ينتمون للأزهر، هل تنتمي معظم القيادات السلفية للأزهر ؟ وإذا تركنا القيادات للأتباع، هل هؤلاء الأتباع أزهريون ؟ أؤكد أن أغلب هؤلاء الأتباع غير متعلمين أو من أصحاب المؤهلات غير الجامعية، فإذا كان المهاجمون يرون ضرورة إغلاق المؤسسات المسئولة عن تخريج المتشددين فليغلقوا إذن كل الجامعات والمدارس المصرية.
كتب أحد الغاضبين » إن صلاح الدين أغلق الأزهر »، ملمحاً إلي أن علينا أن نغلق الأزهر كما فعل صلاح الدين، وفاته أن الرجل كان يريد القضاء علي المركز الرئيسي للفكر الشيعي الذي قامت عليه الدولة الفاطمية، حتي يتمكن من نشر الفكر السني باعتباره أساساً إيديولوجياً لدولته الجديدة. وفات هذا الغاضب أيضاً أن الظاهر بيبرس أعاد فتح الأزهر، ومنذ بيبرس، حتي إنشاء الجامعة المصرية، تولي الأزهر قيادة الحركة الدينية والعلمية والفكرية في مصر وما حولها. حتي في العصر العثماني حين كانت مصر ولاية تابعة لاستانبول لم يفقد الأزهر مكانته، بل كان العثمانيون يفخرون بدراستهم في الأزهر.
وفي موجة الهجوم علي الأزهر نشر أحد الغاضبين علي صفحته في الفيس بوك غلافاً لكتاب اسمه » إقامة الحجة الباهرة علي هدم كنائس مصر والقاهرة » تأليف أحمد الدمنهوري، أحد شيوخ الأزهر القدامي، والكتاب منشور 2012. وتناقل الكثيرون الغلاف، واتخذوا منه دليلاً علي أن الأزهر هو المسئول عن الإرهاب، وأن رجاله، بمن فيهم مشايخه هم الذين يصنعونه. وفاتهم أن يضعوا نشر الكتاب في سياقه العام لكي يكون حكمهم صائباً. الشيخ الدمنهوري تولي مشيخة الأزهر بين عامي 1769 - 1778، أي منذ حوالي 230 سنة، فما الذي ذكر مشايخنا الآن بكتاب الشيخ الدمنهوري ودعاهم لطبعه ؟ ولماذا اهتموا بهذا الكتاب ولم يهتموا بما فعله الليث بن سعد الذي أفتي بعزل والي مصر في عصره لأنه قال بهدم الكنائس التي بنيت بعد الإسلام ؟ السبب باختصار هو ظهور موجة معادية للمسيحيين منذ يناير 2011، مع صعود التيار الإسلامي، وقد أعاد المتشددون نشر الكتاب ليكون أساساً فكرياً لأفعالهم المعادية للمسيحيين. ومبرراً لحرق الكنائس وتفجيرها.
ومن الأشياء التي يرددها مهاجمو الأزهر أن بعض المقررات الأزهرية تضم آراء متشددة في قضايا كثيرة، منها قضية التعامل مع المسيحيين. وقد أصدرت لجنة كبار العلماء بياناً جاء فيه أن الإمام الأكبر ألف لجنة ضمت أكثر من مائة عالم أزهري قامت بمهمة مراجعة المقررات، وسأفترض أنه قد فات علي لجنة المراجعة بعض النصوص، وفي هذه الحالة المطلوب منا أن نحدد هذه النصوص، ولا أظن أن أحداً سيعارض في تعديلها.
إنني أثق في الإمام الأكبر، وأري أنه يكفيه قيامه بإصدار وثيقتين بالغتي الأهمية هما : وثيقة الحريات، التي تؤكد علي حرية العقيدة، ووثيقة يسميها الكثيرون وثيقة الدولة المدنية. وهما وثيقتان لم يصدر مثلهما من قبل وتبينان الفكر التقدمي لهذا الرجل. وأؤكد أن المستفيد الأول من الهجوم علي الأزهر وشيخه هم المتشددون الذين لم يكفوا عن الهجوم عليه منذ يناير 2011.