فيتو
المستشار / هدى الأهواني
حدود الحرية الشخصية للموظف خارج نطاق العمل
الموظف العام لديه الحرية الشخصية في تكييف حياته الخاصة كيفما يشاء، بشرط احترامه تقاليد مجتمعه وما جرى عليه العرف، فحرية الشخص ليست مطلقة بل عليها قيود مرجعها القيم والتقاليد، ونحن كدولة شرقية ندين بالقيم الدينية التي لا يمكن التنكر لها.

وقد لوحظ في الآونة الأخيرة تطورات عنيفة اجتاحت سلوكيات مجتمعاتنا المعاصرة، وصلت ببعض الفئات الخروج علنا عن كل قيم المجتمعات القائمة بحجة الحرية الشخصية دون التطرق عما إذا كانت تلك الحرية مطلقة أم مقيدة، فالموظف العام عليه واجبات وحقوق وقد نظمها المشرع بإيضاح السلوكيات الواجبة على الموظف بحيث لا يسال تأديبياَ فقط عن المخالفات التي يرتكبها داخل نطاق العمل بل يسال تاديبياَ كذلك عما يصدر منه خارج نطاق وظيفته..

فهو مطالب على الدوام بالحرص على الوظيفة التي ينتمي اليها، فالموظف العام لا يتم تعيينه إلا إذا توافرت فيه شروط خاصة على رأسها أن يكون حسن السمعة والسيرة الحميدة، ولهذا فعليه أن يتحلى بمجموعة من الصفات والخصال التي تجعله موضع ثقة في المجتمع، وتجنب ما يسيء لسمعته، ولا يكفي أن يكون الموظف متحليًا بتلك الصفات عند إلحاقه بالخدمة العامة، بل يجب أن يظل كذلك طوال مدة خدمته، وذلك لما في الوظيفة العامة من سلطة ومقتضيات توجب على صاحبها المحافظة على مكانتها، ولا يخرج على مقتضياتها أو ينحرف عنها ما استطاع إليه سبيلًا.

وأخذًا بهذا المنطق فسلوك الموظف العام الشخصي في غير نطاق الوظيفة ينعكس على سلوكه العام في مجال الوظيفة من حيث الإخلال بكرامتها ومقتضياتها، ووجوب أن يلتزم الموظف في سلوكه ما لا يفقده الثقة والاعتبار، والحياة العامة والحياة الخاصة كل منهما له تأثير متبادل، ويجب على الموظف العام ولو كان خارج نطاق وظيفته أن لا ينسى أو يتناسى أنه موظف تحوطه سمعة الدولة، وأن يعلم أن كل تصرف غير محمود ممكن أن يؤثر فى حسن سير المرفق وسلامته، فعليه تجنب ما من شأنه الإخلال بكرامة الوظيفة وتفادي الأعمال الشائنة التي تعيبه وتمس الجهاز الإداري الذي ينتسب إليه.

وقد تفشى في الآونة الأخيرة بعض السلوكيات غير المستحبة كاستخدام البعض صفحاتهم الشخصية بمواقع التواصل الاجتماعي بطريقة لا تتناسب مع مكانتهم الوظيفية دون رسم حدود لما يدون بها، مما يؤثر بالسلب فيهم لا بالإيجاب، وإن كانت التكنولوجيا قد سهلت من الحياة البشرية بشكل عام، وحياتنا بشكل خاص من خلال تقديمها أفضل وسائل النقل على الإطلاق، ممّا أسهم في التعرف على عادات وطباع المجتمعات المختلفة، والوصول إلى أي معلومة بالعالم أمرًا سهلًا وممتعًا، إلا أنه في ذات الوقت كان لها التأثير السلبي فى البعض بإبعادهم عن عاداتهم وتقاليدهم التي نشأوا وتربّوا عليها..

وإن كان المواطن العادي عليه دور في عمل توازن في سلوكياته، فالأحرص على ذلك هو من يتبوأ مركزًا أو منصبًا تتسلط عليه الأضواء، أو من اختصته الدولة أن يكون أمينًا على مرافقها، بأن يسلك ما يليق بكرامة مركزه وعلو شأنه وسمو رسالته، ونظرة التوقير والاحترام التي يوليها الناس لمن يقوم بأعباء هذا المنصب أو المركز، خاصة أن لكل وظيفة أو مهنة من المهن لها قيمها ومبادئها ومعاييرها الأخلاقية المحددة بقوانينها ولوائحها المنظمة لها.

هذا وقد قضت المحكمة الإدارية العليا في حكم لها: "الموظف العام مطالب في نطاق أعمال وظيفته وخارجها أن ينأى بنفسه عن التصرفات التي من شأن ما يعكسه إتيانه لها من آثار على الوظيفة العامة أن تجعله مرتكبًا لمخالفة واجبات هذه الوظيفة، ومن بين هذه الواجبات ألا يسلك الموظف خارج الوظيفة مسلكًا يمس كرامة الوظيفة، أي مسلك ينطوى على تهاون أو عدم اكتراث أو عبث ترتد آثاره على كرامة الوظيفة يشكل ذنبًا إداريًا يستوجب المساءلة_ الطعن رقم 1420 لسنة 31 ق.ع جلسة 1-3- 1986.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف