ياسر انور
قراءة في كتاب "عبقرية الإسلام"لـ "برين برنارد"
فرق كبير وواضح نستطيع أن نستشعره بين الدعوات الإيجابية لتجديد الخطاب الديني وبين الدعوات المشبوهة و المثيرة لكثير من علامات الاستفهام . فالدعوات الإيجابية(لتجديد الخطاب الديني) تفتخر بالتراث العريق للحضارة الإسلامية التي أسهمت بدور كبير في تشكيل الوعي و العقل العالمي ، والتي مهدت لعصر النهضة الأوروبية بعد أن كانت أوروبا تتخبط في عصور الظلام في ظل خرافات و أساطير معرفية كانت تكبل العقل و الحرية و الإرادة الإنسانية عن الانطلاق و الإبداع ،في الوقت الذي كان فيه العلماء و الفلاسفة المسلمون يعيدون صياغة العقل الإنساني بطريقة علمية تدعو إلى التخلص من إرث الدجل المعرفي ، والتحرر من قيود الكهنوت و الاستبداد .أما دعوات (تجديد الخطاب الديني المشبوهة والمثيرة للريبة) ، فهي تنطلق من خصومة واضحة مع التراث بل و النصوص الإسلامية .. خصومة تصل إلى درجة من العداء و الرفض و الإبادة . وهي خصومة تتسم بالجهل الشديد بقيمة هذا التراث .. وترفض الاعتراف بفضله على البشرية .. و الذي لولاه لكان هؤلاء الخصوم يعيشون الآن في كهوف الجبال.. يمارسون طقوس الدجل و الخرافة و الشعوذة . ونتيجة لهذا التطرف البغيض في رفض الاعتراف بالقيمة الحضارية للإسلام و تأثيره العالمي ... ينتج تطرف مضاد في الجانب المقابل يدعو إلى الجمود و التحجر و تكفير وقتل المخالفين .. وهكذا تستمر عملية الاستنزاف(المقصودة) لشغل و إلهاء الرأي العام عن القضايا الحضارية من تقدم وتنمية وحرية و مساواة .. فتتقدم كل المجتمعات ، و يظل العالم الإسلامي قابعا في منافي المعارك الوهمية .. يدور في تلك الحلقة المفرغة من الجدل و النزاع و الاستقطاب في ظل مشاهد عبثية تدعو إلى الرثاء. و لكي ندرك أن هناك أيادي خفية تحرض ضد التراث الإسلامي ، يمكننا أن نلقي نظرة على بعض الكتابات الغربية المشرقة التي تعيد الاعتبار و للحضارة الإسلامية .. وتعترف بفضلها على العالم الغربي .. وتؤكد أن العقول و المعارف الإسلامية هي التي أحدثت الصدمة الحضارية في العالم الغربي في القرون الوسطى ، وهي التي مهدت لعصر النهضة و التنوير الأوروبي. ومن هذه الكتابات .. كتيب صغير الحجم للكاتب و الرسام الأمريكي برن برنارد Bryn Bernardو الذي يحمل هذا العنوان المدهش : عبقرية الإسلام .. كيف صنع المسلمون العالم الحديث..أو
The genius of Islam: How Muslims Made the Modern World
.
لقد تحدث برنارد في هذا الكتيب عن التأثير الحضاري الإسلامي في شتى المعارف ، تحدث عن الأرقام العربية و عن الموسيقا العربية و الزراعة العربية .. وكيف أن عصير البرتقال الذي يتناوله الرجل الغربي في وجبة الإفطار ..إنما يعود إلى الثقافة العربية.. و تحدث عن المعمار العربي وتخطيط المدن .. وأشاد بدور العلماء العرب في مختلف العلوم .. تحدث عن ابن الهيثم و ريادته لـ علم البصريات .. وتحدث عن الزهراوي وقيمته الطبية و الجراحية ..
يقول المؤلف :
Did you know that :
• The numbers you use every day (Arabic numerals!) are a Muslim invention?
• The marching band you hear at football games has its roots in the Middle East?
• You are drinking orange juice at breakfast today thanks to Islamic farming innovations?
• The modern city's skyline was made possible by Islamic architecture?
ويقول في موضع آخر :
لقد ظل العالم الإسلامي جسرا بين الشرق و الغرب ، لكن كثيرا من الاختراعات الإسلامية ظلت مختفية في ثنايا التاريخ.
The Muslim world has often been a bridge between East and West, but many of Islam's crucial innovations are hidden within the folds of history.
ولم يكتف برين برنارد بتأليف الكتاب فقط .. لكنه أقام المعارض في العديد من الولايات الأمريكية ، و قدم الكثير من المحاضرات و الفيديوهات على اليوتيوب .. لكي يصحح من الصورة النمطية السلبية عن الإسلام والتي تسبب في الترويج لها بعض المتعصبين في العصور المختلفة إنكارا ورفضا للتفوق العربي و الإسلامي.
فإذا كانت دعوات تجديد الخطاب الديني صادقة .. فينبغي أن تنطلق من أرضية الاعتزاز بالدور الحضاري الإسلامي، و محاولة استعادة المجد القديم باتباع المنهج العلمي وإرساء قيم العدل و الحرية و المساواة .. أما السخرية من الإسلام والاستهانة بتراثه و التقليل من شأنه .. فهي دعاوى مغرضة و بغيضة سيقابلها المجتمع بالرفض و المقاومة ، ولن ينتج عنها إلا مزيد من الاستنزاف والكراهية .. وهو الأمر الذي ينذر بعواقب أكثر سوءا مما نعانيه الآن.