الأهرام
أنور عبد اللطيف
نبوءة آخر وزير حربية فى مصر
قد لا يعلم الكثيرون أن محمد عبد الغنى الجمسى هو آخر وزير حربية فى مصر ، تواكب ظهوره العسكرى مع حروب مصر من 1948 حتى اعتزل مع بدء معارك السلام بعد كامب ديفيد 1978، وخاض حروب العدوان الثلاثى وتجرع مرارة يونيو 1967.. خاض حرب الاستنزاف حتى نصر أكتوبر 1973، وشهد له قائده الأعلى الرئيس السادات (أمثالك يجب ألا يتركوا الخدمة العسكرية أبدا) لكنه اضطر كشرط للدخول فى مسار السلام تغييره ليلة الاحتفال بعيد النصرعام 78، فى إطار تغيير شامل فى الدولة والقوات المسلحة.

ولأن الرجال قد مضوا وبقيت تحديات تحرير سيناء نفسها وإن ظهر فى المواجهة بعد السلام عدو بيننا بأحدث الأسلحة الدولية وسيارات الدفع الرباعى وتقنيات أخطر فى التخفى وسط أهلنا فى أنحاء مصر، كان لابد من استشراف روح الجمسى عن هذه التحديات من واقع مذكراته؟!.

ـ تخرجت من الكلية الحربية نوفمبر 1939 بدأت خدمتى فى الصحراء الغربية بقوات حرس الحدود حين كان عدونا فى الغرب أثناء الحرب العالمية الثانية، وبعد إنشاء دولة اسرائيل 1947تحول الاهتمام إلى الشرق لمواجهة الخطر الجديد، وبذلك كنت أحد الذين شاركوا فى كل مراحل الصراع العسكرى مع اسرائيل حتى قبول استقالتى كمساعد لرئيس الجمهورية 1980.

ـ استعدادا لحرب 1973 كنت رئيسا لهيئة عمليات القوات المسلحة من أوائل يناير 1972ونتيجة لهذه الحرب توليت رئيس أركان حرب ديسمبر 1973وكنت أحد القادة الذين نالوا أحسن تكريم فى مجلس الشعب مع ترقيتى لرتبة فريق. وبعد أن توفى وزير الحربية المشير أحمد إسماعيل على فى لندن ـ وصدمتنى وفاته فقد كنا فى الخدمة معا تجرعنا الهزيمة وذقنا حلاوة الانتصار ـ وتم تعيينى وزيرا للحربية وقائدا عاما للقوات المسلحة برتبة فريق اول فى آخر ديسمبر 1974.وانطلقت القوات المسلحة لتطوير قدرتها العسكرية ورفع كفاءتها القتالية، لمواجهة عدوها الذى لم يتوقف عن تدعيم قدراته العسكرية ، والدخول فى سباق رهيب لامتلاك القوة واحتلال الاراضى ومن جهتنا كنا نريد أن تفهم إسرائيل أنه لا سلام مع احتلال الأرض ولا أمان فى ظل سباق التسلح،

كان ذلك هو الواقع الذى تعيشه القوات المسلحة منذ اكتوبر 1973 وحتى توقيع اتفاقية كامب ديفيد فى سبتمبر 1978، وفى 5 أكتوبر من نفس العام انتهت مهمتى كآخر وزير للحربية واستلم الراية من بعدى الفريق أول كمال حسن وتغير مسمى الوزارة الى وزارة الدفاع فى إطار التغيير الشامل فى الدولة قبل نحو أسبوعين من بدء مباحثات توقيع معاهدة السلام مع إسرائيل .

ـ لقد شعرت بالضيق لتغييرى يوم 5 اكتوبر.. لكن القيادة التى كان لها دور رئيسى فى انتصار أكتوبر صارت بعيدة عن القوات المسلحة فى ذكرى يوم النصر.

ـ لم يخامرنى شك فى أن من حق الرئيس أن يغير القادة حسب طبيعة المعركة وشكل ميدان القتال بعد كامب ديفيد رغم ما أعلنه الرئيس السادات عندما عرض علىَّ الأسماء المرشحة لمنصب نائب رئيس الجمهورية بين الفريق بحرى فؤاد زكرى والفريق محمد على فهمى والفريق طيار محمد حسنى مبارك، الذى اختاره الرئيس، أما أنا فقال: لابد أن تبقى فى القوات المسلحة مدى الحياة فأنت جريتشكو مصر، وهو وزير الدفاع السوفيتى الذى بنى الجيش ودعم مصر لإعادة بناء قواتها بعد النكسة.

ـ فعلا بقيت مدى الحياة بحكم القانون الذى أصدره الرئيس السادات ووافق عليه مجلس الشعب فى 26 مايو عام 1979 ويقضى القانون بأن يستمر الضباط الذين شغلوا وظائف رئيس هيئة عمليات القوات المسلحة وقادة الأفرع الرئيسية فى حرب أكتوبر 1973فى الخدمة بالقوات المسلحة مدى الحياة !

(وهذا يعنى أن الرئيس الأسبق مبارك لايزال فى الخدمة برتبة فريق)

ـ إذا كان تغييرالفريق الجمسى استعدادا لمرحلة السلام فهل يصح اعتبار حرب أكتوبر آخر الحروب على ضوء ظهور أجيال جديدة من الحروب التى تنفذها الجماعات الإرهابية والتكفيرية وحالة الفراغ التى تعيشها المنطقة حتى اليوم ؟ تجيب أوراق الجمسى فى نبوءة: كانت نظرية الأمن الإسرائيلى تقوم على أساس احتلال أراضى الغير بالمستوطنات منذ إنشاء الدولة بحيث ينضم سكانها فى أى لحظة للجيش، وبعد احتلال أراضى العرب وفلسطين تطور المفهوم ليكون الاستيطان وسيلة للتوسع وفرض واقع سياسى واقتصادى وعسكرى، وتكون الحدود حيث يقف الجنود الصهاينة، وعندما التقيت وايزمان فى مباحثات بالقاهرة فى يناير 1978اكتشفت أن خطتهم هى العمل على نزع سلاح سيناء وتحديد حجم قواتنا والحفاظ على المستوطنات فيها لاضعاف قدرة مصر فى الدفاع عنها، وعندما سأله الفريق محمد على فهمى ـ وكان معى ـ عن سبب اصراره فى الاحتفاظ بمطارى رفح ورأس النقب كانت اجابته:لحماية اسرائيل من السعودية والاردن والدفاع عنها ضد «قوات الفريق الجمسى» !

ـ لا أنسى اليوم الأول والأخير الذى ارتديت فيه الملابس العسكرية برتبة مشير وقد كان ذلك آخر لقاء لى مع الرئيس السادات حين دعيت للاحتفال باستعادة العريش مايو 1979وعند تقبيلى العلم الذى رفع فوق العريش،استبعدت من تفكيرى محتويات اتفاقية السلام وكامب ديفيد لأننا بدأنا نجنى ثمار نصر أكتوبر..

> واليوم بمناسبة الاحتفال بعودة سيناء ومعجزة الإسراء والمعراج أدعو بالرحمة لكل من قدموا التضحيات لتحقيق معجزة العبور فى ظروف غير آمنة تماما ولمن يشاركون الآن فى المعجزة الجديدة حتى تبقى صباحات أرض الفيروز كلها مصرية.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف