جلال دويدار
الدولة تنافق الكسالي وتتجاهل العمل والإنتاج؟! «٢»
رغم تقديري للظروف الصعبة التي يعيشها المواطنون الفقراء ومحدودو الدخل والذين يتمثلون بشكل خاص في موظفي الدولة وأجهزتها -في ظل توحش وانفلات الأسعار- فإن هؤلاء علي حق في مطالبة الدولة بأهمية وضرورة توفير سبل الحياة لهم. في هذا الشأن فإنني أتعجب وأشعر بالدهشة لعدم التطرق إلي أن يكون العمل والإنتاج ضمن ما يتم المطالبة والاهتمام به. لاحظت أن الدولة تتجاهل علي كافة المستويات الإشارة إلي هذه القضية التي تعد مربط الفرس لحل مشاكل الوطن وبالتالي مشاكل هؤلاء المواطنين العاملين.
حان الوقت أن يعلم كل من يعيش علي أرض هذا الوطن أن مشكلته الأساسية تتركز في انخفاض معدلات العمل والإنتاج. كل مشاكل مصر الاقتصادية والسياسية والاجتماعية هي حصيلة القصور في القيام بواجباتنا نحو هذين المطلبين. بهذا العمل والإنتاج يمكننا سد احتياجات الاستهلاك للحد من الاستيراد وتحقيق فائض يمكن تصديره للحصول علي العملات الأجنبية التي نحتاجها لشراء ما ينقصنا بالاضافة إلي المستلزمات اللازمة لهذا الإنتاج.
في نفس الوقت فإن زيادة الإنتاج تعني التوسع في المشروعات القائمة إلي جانب إقامة مشروعات جديدة وهو ما يترتب عليه مزيد من فرص العمل لتشغيل الشباب بالإضافة إلي ما يمكن أن يتحقق من ارتفاع في الأجور وبالتالي مستوي المعيشة. كل هذا يكون له عائد إيجابي علي الحالة الاجتماعية للمواطنين. الفائض الذي يمكن أن يتوافر من زيادة الإنتاج وتجويده سوف يسمح بزيادة إمكانات الارتفاع بمعدلات التصدير إليالخارج.
عائد تعاظم هذه الأنشطة سوف يؤدي إلي زوال ظاهرة الفقر علي مستوي الفرد وكذلك بالنسبة للموارد المالية للدولة. في هذه الحالة ستكون الإمكانات المالية متاحة لتقديم المزيد من الخدمات الصحية والتعليمية المميزة للمواطنين التي ليس لها محل من الإعراب بسبب نقص هذه الموارد حالياً.
وصول الخدمات الصحية والتعليمية الي جميع المواطنين يعني اكتساب الثقة وارتفاعا في وعيه الثقافي الذي يقوده إلي الوعي السياسي. غياب هذا الوعي يعد أخطر مشاكلنا علي ضوء تجربتنا المريرة المتمثلة في سطو جماعة الإرهاب الإخواني علي حكم مصر والعمل علي تخريبها وطمس هويتها حيث كان سلاحها في ذلك الفقر والجهل. اتخذت هذه الجماعة من التجارة بالدين وسيلة لخداع الفقراء وكذلك الذين افتقدوا نعمة التعليم والتثقيف.
وفقاً لهذه الحقيقة فإنه وبداية.. لا سبيل لمصر للخروج من مشاكلها سوي بتشجيع وتحميس الناس للعمل والإنتاج وإفهامهم أنهما الطريق الوحيد لإنهاء معاناتهم وتحقيق تطلعاتهم نحو الحياة الكريمة اقتصادياً واجتماعياً وسياسياً. كم أتمني أن يصاحب الأحاديث والمطالبات بتوفير احتياجات الناس.. التأكيد علي ان كل هذا مرهون بالعمل والإنتاج. ما اطالب به هو السلوك الذي تبنته كل الدول المتقدمة سواء كانت رأسمالية أو اشتراكية.. انها اعتمدت شعارات تقديس العمل والإنتاج التيتمحورت حول Hire and fire وهو ما يعني إتاحة فرصة العمل لمن يريد أن ينتج علي أساس أن »لا مكان لغيرالمنتج».. يضاف إلي ذلك في مبادئ الاشتراكية ايضاً.. شعار »من لا يعمل لا يأكل».
إننا في مصر وللأسف نضرب عرض الحائط بكل هذه المبادئ الأساسية التي تقوم عليها القيم الانسانية الصحيحة للتقدم. كان من نتيجة تبني هذه السياسة التي تقوم علي مبادئ خاصة تتسم بعدم السلامة والمعقولية تقوم علي المطالبة بكل الحقوق المادية دون ان يكون مقابلها عملا أو إنتاجا. لقد وصل بنا الحال في دولتنا السنية أن شركاتنا العامة الخاسرة تقوم بصرف أرباح عن هذه الخسائر للعاملين فيها الذين يشاركون سوء الإدارة فيما وصلت إليه هذه المنشآت من انهيار. إن الاعلام بكل أجهزته ومؤسسات التعليم بكل أنواعها تتحمل مسئولية تثقيف مواطني هذا الوطن بقدسية وأهمية العمل والإنتاج.
إن أحد مظاهر هذه الكارثة التي نعايشها أن المقاهي كانت تعد منذ عدة عقود مع قلتها .. المكان الذي يلتقي ويجتمع فيه أصحاب المعاشات اي المواطنين الذين أنهوا مدة خدمتهم لصالح الوطن.. أما الآن وللأسف فإنها ومع تكاثر أعدادها أصبح غالبية زبائنها من الشباب الذين يحتاجون العمل والإنتاج لإثبات وجودهم وذاتهم للحصول علي استقلالهم المادي من عائد ما يبذلون من جهد وعرق. ليس هناك ما يمكن أن يقال تعليقا علي هذه الأوضاع المأساوية.. سوي: حرام والله حرام.. مصر لا تستحق هذا الذي يحدث.