انتهى أخيرا موسم تقديم الإقرارات الضريبية من الأشخاص الطبيعية، وذلك بالعديد من المؤشرات المهمة، التى سنتناولها بالقراءة والتحليل خاصة ان معظم هذه الإقرارات غالبا ماتكون صفرية، بل إن إحدى الفنانات ذات الأعمال المتعددة حاليا ناهيك عن انتشارها الكبير فى العديد من الإعلانات قدمت إقرارها بخمسة جنيهات لاغير، وهو ما يشير إلى المشكلة الأساسية فى هدا النوع من الضرائب وهو التهرب وتجنب الضريبة وهنا نلحظ ان هناك حملة منظمة من بعض النقابات المهنية لرفض الخضوع لضريبة القيمة المضافة التى أقرت بالقانون رقم 67 لسنة 2016، بزعم أنهم يدفعون ما يستحق عليهم من ضرائب دخلية، وهو ايضا غير صحيح، كما سنوضح فيما بعد ناهيك عما يطالب به البعض من إعفاءات ضريبية فى مشروع قانون الاستثمار بزعم ان الضريبة تؤثر بالسلب على جذب الاستثمارات الأجنبية. وهكذا يتفق هؤلاء جميعا على هدف واحد وهو عدم دفع الضرائب المستحقة والتعلل بحجج كثيرة أغلبها غير حقيقية.
وهنا تجدر الاشارة إلى أن الدراسات الحديثة لصندوق النقد الدولى أشارت إلى أنه من الضرورى على الدول النامية والمتخلفة والتى تتسم بارتفاع عجز الموازنة العامة بها ورصيد الدين العام، وهى الحالة المصرية، أن تتبع سياسة مالية ذكية تساعدها فى تحقيق أهدافها التنموية تتوقف على عاملين أساسيين هما الموارد المتاحة للمجتمع والكيفية التى يتم بها استخدام هذه الموارد. وبالتالى يطالب الخبراء باستخدام الأداة الضريبية بطريقة سليمة تمكنها من إيجاد حيز مالى عن طريق توسيع القاعدة الضريبية وتحسين الإدارة الضريبية وبعبارة أخرى فان تحليل أدوار السياسة المالية من المنظور التنموى والذى يعمل على رفع كفاءة استخدام الموارد وتنميتها ، يتطلب تحويل محور الاهتمام والتركيز من حجم وقيمة العجز إلى خصائص السياسة المالية أى تركيب الإنفاق العام والإيرادات العامة بالإضافة إلى تحليل سمات النظام الضريبي. أى التركيز على خصائص السياسة المالية وليس موقفها.
فالضرائب تلعب عدة أدوار مهمة ، فهى من جهة إحدى الآليات الأساسية لتحقيق العدالة الاجتماعية بين مختلف الفئات والشرائح الاجتماعية بحيث يتحمل الفرد مايخصه من أعباء عامة بما يتناسب مع مقدرته التكليفية، دون إخلال بالتوازن الحتمى بين المصلحة الفردية والمصلحة العامة. ولهذا نصت الفقرة الاولى من الدستور المصرى فى المادة 26 منه «إلى ان العدالة الاجتماعية أساس الضرائب وغيرها من التكاليف المالية العامة». ويتعين تبعا لذلك أن يكون العدل من منظور اجتماعى مهيمنا عليها بمختلف صورها محددا الشروط الموضوعية لاقتضائها، كما أنها تعتبر، من جهة أخري، من أهم العوامل المؤثرة على القدرات الاقتصادية والتنافسية للدولة، وذلك لما لها من تأثير واسع النطاق على أداء جميع القطاعات الفاعلة فى المجتمع. وهنا تشير الإحصاءات الختامية الى الانخفاض الكبير فى مساهمة الضرائب فى الاقتصاد القومى والضعف الشديد فى الطاقة الضريبة إذ انخفضت نسبة الحصيلة الضريبية الى الناتج المحلى الإجمالى من نحو 14% عام 2010/2011 الى 12.7% عام 2015/2016 وهى نسبة ضئيلة للغاية لاتتناسب مع الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية السائدة ، بل وتنخفض كثيرا عن الدول المماثلة
على الجانب الآخر فإن الضريبة على المهن الحرة، والمفروضة على جميع المهن غير التجارية مثل المحاماة والطب والهندسة ( بما فى ذلك الهندسة الزراعية) والصحافة وتاليف المصنفات العلمية والأدبية والمحاسبة والمراجعة والخبرة بما فى ذلك مهنة الخبير المثمن والترجمة والقراءة والتلاوات الدينية والرسم والنحت والغناء والعزف والتمثيل والإخراج وعروض الأزياء والتخليص الجمركي، والإعلام وغيرها، ورغم اتساع هذه المجموعة فإنها مازالت لاتشكل قيمة يمكن الاعتداد بها إذ تشير الإحصاءات الختامية الى ان الحصيلة من هذا النوع ضيئلة للغاية وصلت الى 731 مليون جنيه فقط فى العام المالى 2015/2016، وهو مبلغ ضئيل لا يتناسب بأى حال من الأحوال مع ما تقوم به هذه الفئات من نشاط داخل الاقتصاد القومى الأمر الذى يشير الى ارتفاع التهرب من هذه الضريبة.، فإذا ما أضفنا لذلك تراجع الحصيلة من أرباح الشركات الأخرى (غير الجهات السيادية) وضالة الحصيلة الجمركية مقارنة بحجم الواردات لاتضح لنا الخلل الكبير فى الهيكل الضريبى الراهن وهنا نلحظ ان معدل النمو فى الضرائب على الأجور والرواتب قد وصل الى 20% حيث حققت نحو 32 مليار جنيه، بينما الزيادة فى اجمالى الضرائب ككل كان 15% فقط محققة نحو 352 مليار جنيه عام 2015/2016
وهنا نلحظ ان القانون رقم 91 لسنة 2005 قد توسع فى الاعفاءات المقررة للضرائب من المهن الحرة حيث أعفى ايرادات تأليف وترجمة الكتب والمقالات الدينية والعلمية والثقافية وكذلك ايرادات هيئة التدريس بالجامعات والمعاهد وغيرهم عن مؤلفاتهم ومصنفاتهم التى تطبع أصلا لتوزيعها على الطلاب.وايرادات أعضاء نقابة الفنانين التشكلين من إنتاج مصنفات فنون التصوير والنحت والحفر وايرادات المقيدين كاعضاء عاملين فى نقابات مهنية لمدة ثلاث سنوات من تاريخ مزاولة المهنة.
فى هذا السياق نلحظ ان التعديل الضريبى الصادر فى مايو 2013 والذى قام بتعديل الشرائح ظلم كثيرا الطبقة الوسطى من متحصلى إلا جور والرواتب حيث نزل بهذه الشريحة من 10 ملايين لتصبح 250 ألف جنيه سنويا وهو ما يشكل الدخل الاساسى لمعظم شرائح الطبقة المتوسطة العاملة بأجر، وهكذا بدلا من ان يحاول النظام التوسع فى المجتمع الضريبى نجده يضغط على شرائح الطبقة الوسطى للمزيد من الأعباء. وهو ما يؤكد أن الهدف المالى قد طغى على الأهداف الاجتماعية.
وهكذا يتضح لنا أن هذا النوع من الضرائب يحتاج الى بذل المزيد من الجهود لحصر المجتمع الضريبى ووضع القواعد التى تساعد على الحصول على الضرائب المستحقة عليه وذلك لأن به شرائح ذات دخول مرتفعة للغاية بل والأغرب من ذلك أنها تستطيع نقل عبء الضريبة دون عناء يذكر الأمر الذى يدفعنا للمطالبة بتقنين هذه الأوضاع عن طريق التعاون بين مصلحة الضرائب والنقابات المهنية مثل اشتراط النقابة عدم التجديد لاعضائها إلا بعد إثبات دفع الضرائب أو غيرها من الوسائل التى يمكن التفكير فيها.
كل هذه الأمور وغيرها تشير إلى أن الوضع الحالى اصبح يتطلب من الضرورى إعادة النظر فى السياسات الضريبية الحالية بغية البحث عن الطاقة الضريبة الممكنة وبما يتلاءم مع الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية السائدة، بحيث يتمكن المجتمع من تحقيق إيرادات ضريبة أكثر دون التأثير على معدلات النمو الاقتصادى ومعدلات الاستثمار.