الأهرام
عماد رحيم
اللامبالاة.. ظاهرة تجب معالجتها
متابعة تطورات الأحداث اليومية فى الآونة الأخيرة، تنبئ ببزوغ ظاهرة غريبة لم يعهدها المجتمع المصرى على مدى عقود طويلة، فقد كانت القيم النبيلة تاجاً يتزين به، فى ظل وجود تقاليد سامية ترسخت حتى باتت عرفا يستشهد به الناس.

إنها اللامبالاة التى تحولت لواقع تسهل مشاهدته، فلو أخذنا يوما من بدايته كنموذج، منذ خروجك تجد السيارات بكل أنواعها تتسابق برعونة غير مكترثة ببعضها ولا بالمارة، وإذا كنت تقود سيارتك و«ركنتها بشكل سليم» لقضاء منفعة، غالبا ستعود وتجد أحدهم «ركن» سيارته «صف ثان» بطريقة تمنعك من الخروج حتى يتحرك، وعليك البحث عنه لإخراجك، وعند عودته تراه هادئاً مبتسماً غير عابئ بإزعاجك!

حتى لو استخدمت وسيلة مواصلات عامة، تجد جارك فى المقعد يحاول الاستحواذ عليه ببرود شديد، وإذا ركب أحد المسنين، فى الغالب لا يقوم أى من الجالسين «الأصحاء» إلا بعد أن يتحدث أحد الواقفين مخاطباً أحدهم بظهور النخوة رأفة بحال المسن، بعد أن كان يتسابق الكثيرون وقوفاً لإراحته.

أيضا قذف القمامة من السيارات بمختلف أنواعها البسيطة والفارهة فى الطرقات بلا أدنى خجل، أصبح شيئا معتاد الرؤية، والأكثر غرابة هو مواجهة امتعاض الناس لهذا الفعل بمواصلته بصلف عجيب ومستفز، وبعد قليل يأتى عامل بسيط ينحنى ليرفع قمامة هذا السفيه الذى لا يعرف حق الطريق ولا قيمته، ولاحقا قد تجده من المنددين بظاهرة القمامة!

تلك الظاهرة تجدها واضحة عند بعض الإعلاميين، حين يهتم بالسبق على حساب المضمون، فنشاهد أهالى الانتحاريين بصورة تدعو للشفقة عليهم، ولا عزاء للمكلومين فى ضحاياهم، وعند الشعور بهذا الخطأ، تحولت الدفة للهجوم على الأزهر ومناهجه، دون وجود مناقشة موضوعية بناءة، لأن المهم استرداد الأرضية المفقودة جراء تلك المقابلات، ولتذهب المعايير المهنية إلى أى مكان آخر غير الشاشة، ما دامت نسب المشاهدة هى الغاية.

أما الدراما راحت هى الأخرى تبحث عن أهداف ومنافع مختلفة، على رأسها الاقتصادية ذات المنفعة المادية البحتة، أما الاجتماعية قد تظهر على استحياء، لذلك يكون من الطبيعى أن يحقق مسلسل الأسطورة فى 2016 الذى يقدم نموذج البلطجى فى أبهى صوره حالة غير مسبوقة من نسب المشاهدة، و يغدو قدوة لجيل كبير من الشباب، وتتوارى النماذج الإيجابية الأخرى قليلا فهذا ليس وقتها، وأرجو ألا نكرر نغمة «السوق عايز كده» لأن مسلسل «الجماعة» فى 2010 للمبدع وحيد حامد رغم معرفة الناس بقصته حقق مشاهدات غير مسبوقه، ومن قبله مسلسل «أم كلثوم» فى 1999 للثنائى المتميز محفوظ عبدالرحمن وأنعام محمد علي.

و للأسف ضربت اللامبالاة قطاعات كنا نحسبها منزهة، فعندما تذهب سيدة على شفا الولادة إلى أحد المستشفيات، فلا تجد من يسعفها، وتتعرض للموت، وأخرى تفقد جنينها لنفس السبب، ومريض آخر بترت إحدى قدميه، والأخرى معرضة للبتر إذا لم تجر لها عملية تسليك للأوعية، ويقال له أن ينتظر دوره الذى يمكن أن يأتى بعد أسابيع، لأسباب روتينية مقيتة، بما يرجح بتر قدمه الثانية! وما بالنا بالمستشفيات الخاصة التى ترفض استقبال أى حالة طوارئ إلا بعد الحصول على مبلغ معتبر من المال، رغم أن القانون ألزمهم باستقبال الحالات المماثلة لمدة لا تقل عن 24 ساعة!

وأعرج لتقديم نموذج صارخ لحالة اللامبالاة، حين وقع حادث مرورى على الطريق الدائرى منذ عدة أيام وبعد أن جاءت الإسعاف، ساومت المبلغين للحصول على بعض من النقود لنقل المريض، ولولا تفضلهم بإعطاء المال المطلوب رغم عدم وجود أى صلة قرابة بالمصاب، لظل يصارع الموت حتى يقضى الله أمراً كان مفعولاً!

وزد على ذلك ما حدث مع أحد الأصدقاء، الذى تناولت كريمته دواء مغشوشاً بحسب وصف الطبيب المعالج، أدى إلى إصابتها بارتفاع بالحرارة وطفح جلدى شديد، وبدأ التحسن حينما تناولت الدواء السليم.

فما الذى حدث وجعل هذه الظاهرة تتوغل وتنتشر بهذا الشكل، رغم وجود نماذج أخرى شديدة الإيجابية؟

قد يرجع بعضنا التفسير إلى أسباب عديدة يجيء على قمتها، عدم الشعور بالمسئولية تجاه الغير، و تنامى روح الأنانية بدرجة كبيرة، وتجب ملاحظة تزايدها الذى قد يؤدى إلى عواقب غير حميدة على المكون المجتمعى المصري، ويليها السعى لتحقيق الذات على حساب الآخرين، أيا كان الثمن، وربما يكون آخرها أفول القيم المجتمعية الجميلة التى رسخها قامات كبيرة مثل كبير العيلة، وعمدة القرية، وشيخ البلد، إلخ..، أضف إلى ذلك الغياب الواضح للدور التربوى للمدرسة، بعد أن ذهب دورها التعليمى إلى مراكز الدروس الخصوصية!

لقد بتنا فى أشد الاحتياج إلى أن تقوم المراكز المتخصصة فى الدراسات الاجتماعية بدراسة تلك الظاهرة باهتمام بالغ لمعرفة أسبابها، وإيجاد حلول عملية ومقبولة لمعالجتها قبل أن يفقد المجتمع بريقه وتتحول تلك الظاهرة إلى حالة مرضية يصعب علاجها، لأن كل خطوة نخطوها للأمام صوب تحقيق نهضة اقتصادية مأمولة، ستجرنا اللامبالاة فى مقابلها خطوات للخلف، بما يكبدنا خسائر فادحة نحن فى غنى عنها.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف