صلاح عطية
من فضلكم.. أنصتوا إلي الضمير العام
مئات المشاكل والقضايا في بلدنا تحتاج إلي المواجهة والاصلاح في التعليم وفي الصحة.. في الإسكان.. في الإعلام.. في الصحافة.. وفي القضاء أيضا كل جهة أو قطاع في مصر يحتاج إلي إصلاح ويحتاج إلي سرعة مواجهة المشاكل التي يعانيها ويعاني معها الناس وكل اصلاح بالضرورة يقتضي تشريعاً يرسم حدودا ويحدد مسارا ويواجه ثغرات.. هذا أمر طبيعي في مجتمع ينمو بسرعة وهو ألزم في بلد يواجه تحديات لا حصر لها في الداخل وفي الخارج وفي انفسنا ايضا وكذلك في اخلاقياتنا وسلوكياتنا.
ومن هنا يأتي دور الحكومة في تقديم التشريع المطلوب لكل حالة ويأتي دور مجلس النواب في التشريع سواء جاءت إليه التشريعات من الحكومة أو أخذ هو زمام المبادرة وتولي التشريع طبقا لما يراه من أولويات ربما تباطأت عنها الحكومة أو سارع أحد النواب أو بعضهم بتقديم تشريع يري انه يلبي احتياجا أو يواجه مشكلة أو قضية ما.
كل هذا مفهوم.. والجمع يدركه ولكن الجميع ايضا يري ان هناك أولويات ويري ايضا ان هناك مشاكل أكثر الحاحا ويري ان احتياجات أخري تأتي في المقدمة التي تتطلب الاسراع بالمواجهة وتقديم التشريع الذي يتصدي للمشكلة ويقدم التشريع الذي تحتاجه المواجهة ولكننا في حالة تشريع القضاء الذي اقام الدنيا ولم يقعدها بعد وأظنه لن يقعدها.. لم نتبين ما سبب هو العجلة فضلا عن وجه الحاجة الملحة الداعية إلي هذا التشريع الآن والمسارعة باشعال معارك الوطن في هذه الظروف في غني عنها؟
هل يتكرم أحد من السادة الداعين لهذا التشريع بأن يشرحوا لنا لماذا جاء هذا التشريع في هذا التوقيت بالذات؟ وما هو وجه العجلة التي دعت إلي التقدم به؟ ثم ما هو وجه الملاءمة في تجاهل رأي كل هيئات القضاء واعتبار ان رأيها غير ملزم؟ ولماذا إذن فرض الدستور استطلاع رأيها؟ هل هذا الاستطلاع لمجرد الاستطلاع وتسديد خانة؟ هل يمكن ان يكون من وضعوا الدستور قد وضعوا في ذهنهم ان علي المجلس ان يستطلع رأي القضاء.. ثم لا يأخذ برأيه؟ لا أظن ان من وضعوا الدستور قصدوا هذا.. والا ما وضعوا هذا القيد وإذا كانوا قد وضعوا هذا القيد لمجرد تحسين صورة المجلس الذي يشرع للقضاء دون ان يكون رأي القضاء غير ملزم للمجلس فهو أمر ننزهم عن الوقوع فيه بل علي العكس نري انهم كانوا يقصدون دون استنطاق النصوص بغير هذا ان يكون رأي القضاء ملزما عند التشريع له.. أما إذا أخذ المجلس بغير ذلك.. ورأي البعض ان المجلس غير ملزم بما يراه القضاء.. فهو في تقديري عكس ما قصده واضعو الدستور والقول به في تقديري ايضا يحمل اساءة إلي المجلس ويظهره في صورة من يتجاهل رأي القضاء كما يتجاهل أحكام القضاء ويكفي ان حكما واجب النفاذ وصل إلي المجلس ولم يقم المجلس بتنفيذه حتي الآن.. وبات علي المجلس أن يبرر للرأي العام حفاظا علي صورته أمامه. لماذا توقف عن تنفيذ الحكم وان ينفي عن نفسه ما يشيعه البعض في الشارع المصري بأنه يفعل ذلك تجنبا لمشاكل ذوي الصوت العالي والبذيء احيانا.. ان المجلس مطالب بأن يرتدي ثوب الشجاعة والتحدي الذي يرتديه في مواجهة كل هيئات القضاء ويشرع في تنفيذ هذا الحكم الذي قبع في ادراجه ولم ير النور منذ شهور!
ولابد هنا ان نشير إلي ما يشعر به الجميع أو لنقل الغالبية من ان هناك مشاهد غير مريحة تسيطر علي الأوضاع المصرية في الفترة الاخيرة وتثير الانقسامات بين مختلف الهيئات والجهات والقطاعات فضلا عن الشارع المصري وانه للأسف ينبع كثير من هذه الأجواء غير المريحة من عدد من النواب بقصد أو بغير قصد.. فبينما المعركة محتدمة مع القضاء نجد من يتقدم بتشريع آخر يخفض السن من 70 إلي 60 سنة ثم نري نفيا لهذا ولكن نري اصرارا من مقدم المشروع ثم نري آخر يقدم تشريعا بخفضه إلي 66 سنة وبينما نري الأزهر الشريف وشيخه يتعرضان إلي هجوم ظالم وغير منصف ويهز صورة الازهر الشريف الذي هو ايضا صورة مصر في عالمها الاسلامي والعربي.. نري من يعد مشروعا لتعديل قانون الأزهر وتغيير اسلوب ومدة تعيين شيخ الأزهر - وفي رأيي الشخصي - ان هذه كلها أمور تدخل في باب المكايدة لكل من القضاء والازهر وهي اسهام مباشر أو غير مباشر في جو التوتر الذي يسود بلا مبرر والمعارك المفتعلة التي تشيع جو عدم الاستقرار المنشود الذي نتطلع إليه ونحن نواجه معارك كبري ليس من أولوياتها اطلاقا تغيير أسلوب تعيين رؤساء الهيئات القضائية ولا من أولوياتها المساس بقامة وقيمة شيخ الازهر.
اننا نتطلع إلي ضمائر الجميع وندعوهم إلي أن يلقوا السمع إلي صوت الضمير العام.. لعله يعيد الأمور إلي نصابها ويكف أيدي الجميع عن المضي في إحداث هذه الشروخ في نسيج الوطن.. التي نحن في غني عنها وعن تبعاتها في هذه المرحلة الصعبة.. بل بالغة الصعوبة التي نعيشها جميعا.. ولا يدرك البعض للأسف تبعاتها!!