الأهرام
ليلى تكلا
عزيزى قداسة البابا فرانسيس الثانى
نرحب بكم فى مصر ونحترم إصراركم على الحضور وزيارتنا تضامناً ومحبة ولأنكم تقدرون أن مصر رائدة التوحيد وموطن الأديان. إليها جاء يوسف.
بها ولد موسي، فيها احتمى المسيح، منها تزوج محمد، رزق بابنه وأوصى بقبط مصر. مصر التى آمنت بوجود خالق منذ فجر التاريخ واحتضنت الأديان. بها اليوم مجمع الأديان، حيث توجد أول كنيسة فى إفريقيا «المعلقة» وأول معبد يهودى «بنعذرا» وأقدم المساجد «عمرو بن العاص» تقف فى شموخ جنباً إلى جنب فى رسالة بليغة عن السلام وتعايش الأديان. مصر حررها شعبها من حكم ثيوقراطى يقوم على التعصب والإستبعاد وطالب بحكم ديمقراطى دستورى يقوم على المساواة واحترام جميع المعتقدات، مصر حكومة وشعباً تكافح من أجل تحقيق السلام والاستقرار وتحقيق التنمية بسواعد مواطنيها يد تدافع ويد تبني. والرئيس السيسى لا يفرق بين المواطنين حسب العقيدة. يشير إليهم جميعاً كمواطنين لهم نفس الحقوق والواجبات. له مبادرة إنسانية نبيلة تدعو إلى أن تصبح مصر منبراً ومنارة ومصدر إشعاع للتعايش قدوة ومثلاً،إقليمياً ودولياً،على الاحترام المتبادل وقبول التعدد بين أصحاب الثقافات والمذاهب. يجمع بين قداستكم والرئيس السيسي. الذى نحبه ونحترمه ونقدره الاهتمام بكل إنسان وكرامته. Luomoqualunque .هذه هى مصر التى تنزلون عليها ضيفاً مكرماً معززاً.

قداسة البابا: عندما كنت طالبة صغيرة فى أولى سنوات العمر كان من حظى أن أكون ضمن وفد الطالبات لحضور احتفالات LannoSanto حيث قام البابا بيوس الثانى عشر بتحية مصر. بعدها بسنوات كثيرة التقيت البابا بول جون الثانى وكنت أحبه كثيراً ـ فى إطار Le donne per la pace رحب بى وقال جملة لا أنساها أبداً «أذكر مصر فى صلواتى دائماً» وكنا بالفعل نمر بظروف صعبة . واليوم نرحب بك فى مصر فى أوقات تعصف فيها الحروب بالبشرية وبالطبيعة وبكل المبادئ الإنسانية، حروب من نوع جديد ليست بين جيوش محددة المعالم تواجه بعضها بعيداً عن المدنيين لكنها حرب تعيش بيننا وفى وسطنا. الجانى يمكن أن يكون أى شخص والمجنى عليه كل شخص. صراعات عسكرية واقتصادية وثقافية تهدد الجميع وأصبح علينا جميعاً أن نتصدى لها معاً. التصدى لها لا يعنى فقط القضاء على من يرتكبونه الشر لكنه القضاء على الشر الذى يرتكبون وهم يقومون بهذه الأفعال نتيجة فكر خاطئ وفهم غير صحيح للإسلام. والفكر لا يصححه إلا فكر آخر يحل محله يدعو إلى سلوك مختلف. ومصر تخوض فى نفس الوقت معركتين، معركة عسكرية لابد منها لحماية المواطنين والأبرياء والحفاظ على الأرض والتراث، ومعركة فكرية تسعى لتصحيح الفكر . وهى الدولة المؤهلة لذلك بما لديها من مكانة ومؤسسات وجماعات الفكر والثقافة بالأمس القريب عقد الأزهر الشريف اجتماعاً جمع بين جميع الأديان والمذاهب من أجل تحديد وتنفيذ وسائل غرس قيم المواطنة والمساواة وتحقيق التفاهم وقبول التعدد من أجل السلام . إن ما ارتكبته بعض الجماعات الإرهابية باسم الإسلام جعل العالم، شعوباً وحكومات، تتخذ مواقف ضد الإسلام. سادت موجات الرفض والاستبعاد واحياناً الكراهية. أصبح كل المسلمين مذنبين من الأفضل البعد عنهم وعدم التعامل معهم، وهذا أمر غير عادل. أصبح الإسلام كعقيدة مسئولا عما يرتكب وهذا غير صحيح. تلك الكراهية والرفض والشك لا تسهم فى صنع السلام بل تزيد الأمور تعقيداً وهنا يأتى دور الفاتيكان. وهوقادر على الإسهام فى تصحيح الفكر الذى أصبح سائدا عن الإسلام والمسلمين لدى الملايين فى كل مكان. لذلك أدعو قداسة بابا الفاتيكان إلى الإسهام فى معركة تصحيح المفاهيم لتوضيح أن ما يرتكبه الإرهابيون لا صلة له بتعاليم الإسلام وأن الإسلام ليس ضدهم، يحترم المسيحية والمسيحيين ويؤمن بمعجزات السيد المسيح. ويكرم العذراء مريم والقرآن يتحدث عنها أكثر مما يتحدث الإنجيل بسورة كاملة حولها. والمسلم لا يكتمل إيمانه إلا إذا آمن بما أنزل من قبله. وقد أودعنا لسيادتكم ثلاثة كتب عن التراث المسيحى الإسلامى المشترك الذى ندعو إليه فى مصر وعددا من الآيات القرآنية الكريمة التى نسعى للتوعية بها، وهى دعوة للسلام واحترام المسيحية والمسيحيين. إن عدم الفهم الصحيح للمعتقدات الدينية يضرب كل محاولات السلام.. المتعصب لا يعرف دينا غيره لذلك يرفضه.

أما المتطرف فهو لا يعرف حتى دينه. والتعريف بصحيح الإسلام وصحيح المسيحية يساعد فى القضاء على ذلك التعصب بأنواعه. هناك فى المقابل فكر آخر خاطئ شديد الخطورة هو فكر أغلب العالم المسلم عن المسيحية وتعاليمها. وأنها ليست عقيدة توحيد وأهلها من «المغضوب عليهم الضالين» وهو فكر لابد من تصحيحه. إن تصحيح الفهم الخاطئ عن الإسلام لم يعد مسئولية المسلمين وحدهم بل مسئولية كل من يسعى للسلام وبنفس القدر فإن تصحيح المفاهيم الخاطئة عن المسيحية ليس مسئولية المسيحيين وحدهم بل مسئولية كل فرد يؤمن بالسلام والتعايش. والفاتيكان يسعى دائماً إلى تصحيح المفاهيم الخاطئة من أجل السلام والتعايش والاحترام المتبادل. وهو ما تدعو إليه الكنيسة القبطية المصرية ـ التى أشرف بأن أنتمى إليها ـ خلال مئات الكنائس والأديرة القبطية المنتشرة فى العالم. نحن نعتز بأن الكنيستين المصرية والكاثوليكية ـ وهما أول الكنائس وأعرقها ـ بينهما من التقارب ما يكاد يكون تطابقاً خاصة بعدما ثبت أن الاختلافات التى أثيرت فى مؤتمر خلدونيا سنة 451 وأدت للمذهبية، غير قائمة ولا تتعلق بالعقيدة إنما ببعض الطقوس والإجراءات وهو ما أعلنه «البابا بول السادس» وأكده اتفاق بين «البابا جون بول الثاني» «والبابا شنودة» مما يعتبر خطوة مهمة فى مسيرة تحقيق هدف وأمل وحدة الكنيسة من أجل السلام. والكنيسة الكاثوليكية المصرية تثبت ذلك. بالإضافة إلى ذلك فإن قداستكم لكم شعبية هائلة بين ملايين الشعوب، وكلمة مسموعة بين القيادات ونتطلع إلى موقف الفاتيكان فى الدعوة للحد من الدعم المالى والمعنوى والقانونى والسياسى الذى تقدمه بعض الحكومات والمنظمات لجماعات الإرهاب .وقد كانت رسالتكم إلى الرئيس الامريكى الجديد محل تقدير كل محبى السلام .

إن تضامن مصر والفاتيكان يسهم كثيراً فى تحقيق السلام الذى نصبو إليه جميعاً . قداسة البابا يقال دائماً إن كل الأديان تدعو للسلام، رسالة المسيح السلام معكم وطوبى لصانعى السلام وتحية الإسلام السلام عليكم، اليهودية رائدة الوصايا العشر. البوذية والهندوسية تحرمان الإساءة للإنسان والداوية تدعو للسلام مع الطبيعة والتناغم معها. والكنفوشية تقوم على العدل. ولكن أين العالم اليوم من كل ذلك؟ والسلام ليس مجرد كلمات، إنه سلوك وأسلوب فى الحياة ولا يجوز أن نكتفى بالحديث عنه إن لم نتعاون معاً جميعاً فى تحقيقه. ونحن معاً على ذلك قادرون. ختاماً لا يسعنى أن أنهى هذه الرسالة دون الإشارة إلى موقفكم من زيارة مصر»عندما تواجه صديقك مشكلة لا يجوز أن تبتعد عنه بالعكس إنها دافع إضافى يدعو للذهاب إليه، والوقوف بجانبه» عبارة بليغة تعتبر فى حد ذاتها عظة ودرساً فى العلاقات بين الأفراد وبين الدول. وفقكم الله فى جهودكم لتحقيق السلام والمحبة وصحيح الإيمان.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف